كتاب " العرب خارج عروبتهم " ، تأليف طلال سلمان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب العرب خارج عروبتهم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كذلك فلا يمكن لأحد أن يتهم الأمين العام بأنه لا يعرف مواقع القوى الحاكمة في هذا المجلس، فضلاً عن «عواطف» هذه القوى تجاه العرب عموماًً، وبالذات منهم من ما زال يرفض عقد صلح منفرد مع العدو الإسرائيلي، بمعزل عن قراءة النيات لتبرير هذا الرفض.
وإذا ما كانت لحمد بن جاسم ودولته العظمى، ولأطراف عربية أخرى، حسابات خصومة أو منافسة أو عداوة مستجدة مع سوريا، فالمؤكد أن الأمين العام لجامعة الدول العربية ليس مثقلاً بمثل هذه الخصومة أو العداوة، بل المؤكد أان الأمين العام قد بذل جهداً طيباً في محاولة إيجاد مدخل إلى الحل، وكانت ملامحه قد بدأت تؤشر إلى احتمال أن يتطور في الاتجاه الصح، حين وقع الهجوم الخليجي المضاد وتم سحب المراقبين الخليجيين، ثم اندفعت السعودية بشخص وزير خارجيتها إلى لقاء وفد المعارضة، في القاهرة، وإن أخّرت الاعتراف لأنه «يكون بين دول».
بالمقابل، فإن النظام السوري قد توغل في استخدام العنف ضد مواطنيه بأكثر مما يجوز، ولا ينفع في تبرير ذلك كل ما قيل ويقال الآن عن عصابات مسلحة تزودها جهات خارجية بالسلاح والمال والمعلومات والصور الميدانية، وتوفر لها تسهيلات حيوية عند حدود سوريا مع الأردن ولبنان وبعض العراق، إضافة إلى الرعاية التركية الرسمية لمؤتمرات المعارضة ولبعض المنشقين من الضباط والجنود السوريين، وبذرائع طائفية.
ثم إن النظام السوري قد أكثر من الوعود بالإصلاح ثم صار يرجئ مواعيد التنفيذ أو يقدم مقترحات جزئية، أو يعيد ربط كل بند بشرط لا تملك جامعة الدول العربية على الإيفاء به إلا عبر رعايتها موضوع الحوار، وتوفير الضمانات اللازمة لإنجاحه التي يفترض أن يقدمها النظام. وبالتأكيد فإن مسؤولية النظام عما آلت إليه الأحوال في سوريا خطيرة جداً، ويمكن للأمين العام لجامعة الدول العربية أن يتهمه بأنه لم يسهل له شروط نجاح مهمته.
كل ذلك يمكن أن يكون مفهوماً، ويمكن أن يزيد من تقدير الجهد الذي بذله الأمين العام، شخصياً، في مناخ غير ودي تجاه النظام السوري، بعضه لأسباب سياسية مفهومة ولها مقدمات علنية (معظم دول الخليج، لا سيما بعدما جهرت السعودية بموقف الاعتراض على استمرار النظام).. لكن ثمة دولاً أخرى بدلت موقفها بغير سابق إنذار، ولأسباب لا تتصل من قريب أو بعيد بمشاهد القتل اليومي أو تدمير المؤسسات. فإذا أضفنا إلى هؤلاء تلك الدول الفقيرة إلى حد الإملاق والتي ترى في «أصواتها» مصدراً للثروة، فتبيعها بالثمن لمن يدفع.
لكن تلك الملاحظات جميعاً تتهاوى أمام منظر الأمين العام في مجلس الأمن، وهو يدلي بمرافعة يفترض أنه يعرف جيداً أن المستفيدين الأساسيين منها لن يكونوا ضحايا بطش النظام في سوريا، بل الذين انقلبوا ـ ذات ليل - من موقع حلفائه وأصدقائه الحميمين بناة القصور في حماه إلى خصوم الدار، تصيب عداوتهم سوريا بشعبها ودولتها، قبل أن تصيب النظام وأهله.
لقد أطلق السيد الأمين العام رصاصة الرحمة على جامعة الدول العربية.
وقف أمام مجلس الأمن الدولي ليعلن نهاية هذه المؤسسة العريقة التي تعكس حال دولها، كل بقدرتها على التأثير، والأغنى أعظم تأثيراً حتى لو كان شعبها الأصغر.
والحقيقة أن الجامعة العربية قد فقدت بل أفقدت هذا الدور منذ أن أعجزها خروج دولها عليها منذ عهد بعيد. ربما يمكن التأريخ لها بلحظة خروج النظام المصري على ميثاقها وعلى دورها الجامع، عندما اختار أن يذهب إلى الصلح المنفرد مع العدو الإسرائيلي، مفتتحاً تاريخاً جديداً من الانفراد بالقرار، سرعان ما التحق به أعضاء آخرون.
ثم تكرر الخروج من الجامعة عليها، فكان غزو صدام حسين الكويت، في صيف 1990، ثم الانشقاق العربي عبر حرب الخليج الثانية، التي مهدت بالنتيجة للاحتلال الاميركي للعراق 2003.
وكانت تلك بالذات لحظة خروج دول مجلس التعاون الخليجي من الجامعة، التي لم تعد هذه الدول تلتزم بمرجعيتها... بل هي صارت تستخدمها لتمرير سياساتها المحكومة بمصالحها وخصوماتها وعداواتها التي لم تكن دائماً بريئة، ولم تستهدف إعادة صياغة الغد العربي بما يتناسب مع طموحات أهل هذه الأرض.
صار مجلس التعاون الخليجي يتعامل مع الجامعة كدائرة تصديق على قراراته، أما سياساته فقد استقل بها تماماً، مفضلاً الارتباط بمراكز مصالحه، وهي الولايات المتحدة الاميركية أساساً، ومن بعدها أوروبا... ولا مانع من تخفيف العداء مع إسرائيل طالما تم تظهير عدو مهيب جديد هو إيران الإسلامية.
وإلى ما قبل سنة واحدة كان النظام السوري، ما دام الحديث عن سوريا، يكاد يكون «الصديق الحميم»، يتناوب القادة الخليجيون على زيارة دمشق، وأحياناً يقصدون حلب، وبعضهم اللاذقية... وثمة من اشترى بيوتاً أو قبل بيوتاً هدية...
وصحيح أن المسؤولية عن حالة الفوضى الدموية السائدة في سوريا الآن، والتي تتهددها في وحدتها الوطنية، والتي ضربت إمكان تقدمها إلى حيث تستحق ، إنما يتحملها النظام، أولاً وأساساً.
لكن الذهاب إلى مجلس الأمن قد أضر بالأمة العربية جميعاً، وأساء إلى صورة جامعتها، من غير أن يقدم أي نفع لقضية سوريا الدولة والشعب.
ومن أسف أن الخطوة الناقصة التي أقدم عليها الدكتور نبيل العربي قد أساءت إلى دور الجامعة العربية وصورتها، من دون أن تقدم نفعاً لسوريا، الدولة والشعب... والمعارضة ضمناً.
8/2/2012