كتاب " العرب خارج عروبتهم " ، تأليف طلال سلمان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب العرب خارج عروبتهم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في رثاء جامعة الدول العربية مجلس التعاون
الخليجي يتجاوزها..
والاتحاد المغاربي يُستولد مجدداً
أعلنت جامعة الدول العربية، خبر وفاتها من فوق أعلى منبر دولي في العالم: مجلس الأمن، بشهادة أعضائه جميعاً، الخمسة دائمي العضوية من «الكبار» أصحاب حق الفيتو، والعشرة المتبدلين بتبدل المواقف والأدوار... وفي حين وقف الأمين العام لهذه الجامعة العريقة يتقبل التعازي، فقد بادر رئيس الدورة - بالإعارة أو بالإيجار- يعلن اسم الوريث الشرعي: مجلس التعاون الخليجي القادر بذهبه الأسود أو بغازه الأبيض على تعويض غياب المؤسسة التي كانت، ذات يوم، معقد آمال العرب في الحد الأدنى من التضامن والتكاتف من اجل الحق في مستقبل أفضل لشعوب هذه الأمة التي فرض على أقطارها التقسيم ثم اقتطعت منها فلسطين للإسرائيليين ليقيموا عليها دولة يهود العالم.
والحق أن إعلان وفاة الجامعة العربية لم يكن مفاجئاً تماماً للمجتمع الدولي... فقبل بضعة شهور ذهب الأمين العام السابق لها يعلن دخولها في غيبوبة تمنعها من أن تقرر، ويطلب من مجلس الأمن أن يتولى، باسمها، تفويض الحلف الأطلسي بتحرير ليبيا من حاكمها المتجبر، حتى لو أدى الأمر إلى تمزيق هذه البلاد مترامية الأطراف، الغنية بنفطها والفقيرة بتجربتها السياسية مما قد يأخذها إلى حرب أهلية تمزق وحدتها وتجدد الاشتباكات التي لمّا تنطفئ نيرانها تماماً بين قبائلها وأعراقها، تحت الشعار الإسلامي وفوق الأرض الغنية بنفطها الخفيف وغازها الثقيل.
في وقت لاحق، ستعلن عودة «الاتحاد المغربي» إلى الحياة بجرعات من نسمات الربيع العربي الذي اسقط الهوية الجامعة عن الدول التي كانت تنضوي تحت لواء الجامعة العربية، بأمل أن تقودها الشراكة في وحدة المصير، فضلاً عن وحدة المصالح، إلى نوع من التكامل الاقتصادي - الاجتماعي - الثقافي، تشبهاً بالاتحاد الأوروبي أو بالتجمعات التي قادت اليها المصالح دولاً كانت مختلفة جداً فتقاربت بدافع الضرورة، ومن فوق الخلافات السياسية.
هكذا تعزل - بداية - مصر، الدولة - الأم، وصاحبة الحق الشرعي بالقيادة، وتترك لفقرها وما ينتج من اضطرابات اجتماعية واقتصادية تؤثر على الدور فتضعفه، خصوصاً أنه قد يضطرها إلى تنازلات موجعة، يجبرها على طلب العون ممن شروطه ثقيلة، بحيث يصعب على الكرامة أن تقبلها.
هل من الضروري التذكير بأن انفصال جنوب السودان عن شماله إنما كان يشكل ضربة قوية لموقع مصر ودورها، وفضلاً عن شطبه السودان كدولة مؤثرة، وكشعب لم يقصر يوماً في نصرة القضايا العربية، قبل أن يتولى حكمه عسكر الإسلام السياسي فيضيّع وحدته ودوره، وما زالت مخاطر انفصالية إضافية تتهدده، وتهدد معه الأمن القومي لمصر بانعكاسها على شريان حياتها: النيل!
طبعاً اختفت أو غيبت تماماً حقيقة وحدة وادي النيل، وصار النيل بذاته سلاحاً قد يستخدم لتطويع مصر أو لجرها إلى حروب مع شركاء المصير في قارتها السمراء.
أما في المشرق فقد أقامت دول مجلس التعاون الخليجي سوراً مصفحاً من حولها، بذريعة حماية ذهبيها الأسود والأبيض، من طمع أشقائها، أو من جبروت الجار الكبير، الإيراني، في حين فتحت أرضها وأجواءها، ومياهها للقواعد والأساطيل العسكرية الاميركية أساساً والغربية عموماً.
ولقد ظل هذا المجلس مجرد إطار للتــلاقي بالاضــطرار بين دول لم تكن - بمعظمها - موجودة عند قيام جامعة الدول العربيـة، بل كانت، في ما عدا السعودية وسلطنة عمان، مجموعة مشيخات صحراوية يحكمها - مجتمعة - ضابط بريطاني.
..وكان أن تفجرت إيران بالثورة التي رفعت الراية الإسلامية شعاراً وجعلت فلسطين قبلتها، فقصد الملوك والأمراء والمشايخ صدام حسين مستنجدين بقوة العراق لوقف المد الإيراني الثوري، فكانت «حرب الخليج» التي أنهكت العراق وإيران معاً، وكان هذا بالضبط هو المطلوب، وإن استدعى رد فعل أحمق لاحقاً من طرف صدام حسين إذ أقدم على غزو الكويت، وهو ما مكن الاميركيين من شن «حرب تحرير الكويت» بمشاركة عربية فعالة، أدت إلى شق جامعة الدول العربية وتلاشي دورها بوصفها الضحية الأولى لتلك الحرب التي مهدت للغزو الاميركي واحتلال العراق وإعدام صدام حسين.
ولقد يسرت تلك الحروب المتواصلة أمر إعادة تحريك الفتنة بين السنة والشيعة للتغطية على النتائج السياسية المتمثلة بعودة القواعد الاستعمارية إلى تلك المنطقة.