كتاب " الفكر التربوي والمنهج التعليمي عند ابن الأزرق " ، تأليف د.
You are here
قراءة كتاب الفكر التربوي والمنهج التعليمي عند ابن الأزرق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
6- طلابه:
التراجم والدراسات التي جاءت بعد ابن الأزرق في نشاطه العلمي التدريسي، ذكرت عدداً قليلاً من الطلاب الدارسين على يديه. ويرجع الدكتور النشار سبب قلة طلابه هو انهيار الأندلس، وذهاب أهلها إلى جهة مجهولة، وهرب من استطاع الهرب، وقتل من قتل، ومن ثم تمزقت دار الإسلام في الأندلس([51]). وهذا الرأي سديد، حيث قام ابن الأزرق قبل خروجه من غرناطة بأعوام من انتهاء الملك العربي الإسلامي في الأندلس بالتدريس في الجامع الأعظم بغرناطة([52]). غير أن التراجم التاريخية لم تعط السنة التي مارس فيها التدريس. لكن الثابت أن من يقوم بهذه المهمة له إمكانات وقدرات إدارية وعلمية ومنهجية تعليمية تؤهله لتصدر مجالس التدريس فهو "قاضي غرناطة ووزيرها وسفيرها"،([53]) وابن الأزرق نفسه يؤكد على القدرات العلمية وقيمتها للعالم عند تصدر المجالس التعليمية فيذكر قصيدة للشيخ أثير الدين([(]) ابن حيان مطلعها([54]).
بلينا بقوم صدروا في المجالس
لإقراء علم ضل عنهم مرشده
لقد أخر التدريس عن مستحقه
وقدم غمر خامد الذهن جامده
وسوف يلاقي من سعى في جلوسهم
من الله عقبى ما أكنت عقائده
علا عقله فيهم هواه أما درى
بأن هوى الإنسان للنار قائده
وطلبته الذين استطعنا أن نحصيهم من كتب التراجم ونخصهم بالترجمة هم:
1- أبو عبد الله محمد بن أحمد الحداد الوادي آشي، تلقى علومه على يد ابن الأزرق في بالجامع الأعظم بغرناطة، ونقل لنا المقري نقولات عن الحداد الوادي آشي تثبت أستاذية ابن الأزرق له بقوله "إني سمعت شيخنا الإمام سيدي محمد بن الأزرق بمجلس تدريسه من الجامع الأعظم بغرناطة....."([55]).
ونقل المقري أيضاً نصاً آخر يشير فيه بوضوح إلى المنهج التعليمي لابن الأزرق الذي يعطي فيه الحرية التامة لطلبته في الحديث والمناقشة لطالب العلم حتى وإن كان دونه ومخالفاً له([56]). كان الحداد الوادي آشي واحداً من أهم طلاب ابن الأزرق الذي كان يجيد النسخ والتقييد والوثائق بخط يده "ولعله هو الذي قام بنسخ بعض كتب شيخه وبهذا كان له الفضل في نشر كتبه....."([57]).
2- شرف الدين يحيى بن محمد الأنصاري المغربي الأندلسي المالكي المولود عام (856 هـ) و(ت 895 هـ) كان عالماً ماهراً، وذا قدرات في العربية، تعلم على يد ابن الأزرق، وتولى قضاء المالكية في القدس في أواخر عام (888 هـ) واستمر به إلى أن عزله سلطان مصر عن القضاء في عام (892هـ)([58]).
3- أحمد بن علي بن داود البلوي أبو جعفر، ارتحل من غرناطة إلى تلمسان بعد عام 890 هـ مع عائلته (أبيه وأخوته)، وصفه التنبكتي "الفقيه المشارك الحجة، الجامع، الضابط، الناظم، الناثر، البليغ، الأكمل الأدرى"([59]) وأخذ العلم عن ابن الأزرق([60]).
4- أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي التلمساني (ت 914 هـ)([61]) مؤلف كتاب المعيار الواقع في اثني عشر مجلداً تتلمذ على يد آخرين مباشرة إلا أن ابن الأزرق يعد ذا أثر غير مباشر على الونشريسي في كتابه أعلاه، وأن الونشريسي نقل عن ابن الأزرق كثيراً([62]). مما عُد من طلاب ابن الأزرق([63]).
5- أبو العباس أحمد بابا بن أحمد بن عمر التنبكتي مؤرخ من تنبكت في إفريقية من صنهاجة وهو صاحب كتاب (دليل الابتهاج بتطريز الديباج) في تراجم المالكية([64]) تأثر بابن الأزرق فنقل عنه في مؤلفه المذكور الكثير من علومه([65]) وبذلك عُد تلميذاً لابن الأزرق ذو أثر عليه([66]).
7- رحلاته:
بحكم نشأته العلمية وحياته العملية، قام بثلاث من رحلات، خلال حياته، وكانت في أغلبها للمصلحة العامة، والوطنية، التي اقتضتها ظروف الوظيفة والوطن. والرحلات هي:
1- الرحلات العلمية: فابن الأزرق قد عرف قيمة العلم في الحياة لذلك قام بنوعين من الرحلات في هذا المجال داخلياً وخارجياً للحصول على مزيد من العلم والمعرفة والثقافة للإفادة من علماء عصره. فبعد أن أخذ العلم في مسقط رأسه بمالقة، توجه إلى غرناطة([67]) ولازم إبراهيم بن فتوح مفتي غرناطة، وتلك كانت أولى رحلاته الداخلية، أما رحلاته الداخلية الأخرى فتلك التي تولى فيها القضاء داخل بلاده (والتي سنذكرها لاحقاً) أما الرحلات الخارجية العلمية فكانت لفاس وتلمسان وتونس([68]).
2- الرحلات السياسية: كان ابن الأزرق "من أقرب الناس إلى بلاط بني نصر فهو لذلك من أقطاب السياسة في ذلك العهد... وأنه ليس وظيفاً شرعياً ولكنه رجل دولة"([69]) فالدولة أو السلطة آنذاك كانت تختار الفقهاء لتنفيذ سياستها ومهامها "لأنها تتطلب الصدق والأمانة والإخلاص فضلاً عن العلم وهذه أمور تتوافر في الفقهاء"([70]) وبهذا فهم أهل لها ودورهم بارز في الحياة السياسية الأندلسية بشكل واضح، وهذا ما جعل الزغل([(]) يختار ابن الأزرق لمهمة سياسية خارج بلاده إلى الدول المجاورة عندما اشتد الحصار على غرناطة فتوجه إلى فاس فتلمسان ثم تونس فمصر في مهمة السفارة([71]). إن هذه المهمة هي الأولى التي ذكرتها التراجم يمكن عدها من الرحلات السياسية، وقد فضلت عدم التوسع في هذا الحقل لأن الموضوع سنتناوله ضمن وظائفه لاحقاً.
3- الرحلات الدينية: توجه ابن الأزرق إلى الديار المقدسة في الحجاز من مصر في سنة 895 هـ لأداء فريضة الحج وزيارة قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة الأطهار فمكث في المدينة المنورة لهذا الغرض ولقاء العلماء أربعة أشهر وبمكة المكرمة شهرين وعاد بعدها إلى مصر([72]). فهذه الرحلة جاءت ضمن مهمة "السفارة" استغرقت ستة أشهر أدى خلالها فريضة الحج والمتبقي لابد أن يكون بين أيام سفر وزيارات دينية ولقاءات علمية وهذا ما يفسر طول الرحلة، أما زيارة القدس فلا أضعها ضمن الرحلات الدينية لأنها كانت في حدود واجبات وظيفة القضاء تكليفاً وليس قصداً لأداء مراسم زيارة المسجد الأقصى([73]).
8- وظائفه:
عند تتبعنا للمسيرة الحياتية يمكن أن نرصد ونحصر أربع وظائف شغلها وعمل بها، وهي القضاء، والكتابة "الوزارة والسفارة"([74]) ووظيفة التدريس([75]) فوظائفه هذه يكون بعضها ذا طابع ديني والآخر ذا طابع علمي تعليمي وهذا مما يجعلنا نتفق مع الدكتور التازي الذي يذكر بأنه رجل دين ودولة ذا مكانة جيدة لدى رؤسائه بني نصر ومن المقربين إلى بلاطهم([76]). ويمكن القول إن ابن الأزرق كان بمثابة مستشار في وقتنا الحاضر "فقيهاً مشاوراً" أي أنه من صفوة فقهاء مملكة غرناطة الذي توافرت فيه شروط كبر السن والعلم ومالكي المذهب([77]) ولأن الفقهاء في الأندلس يولون وظائف إدارية أخرى وكثيرة أبرزها الكتابة بأنواعها وإذا ما علمنا أن للكتابة أهمية كبيرة في مجمل النظام الإداري للدولة ندرك قيمة الدور الذي قام به الفقهاء في هذا النظام من خلال ممارستهم لهذه الوظيفة ومنها قراءة كتب الدولة...."([78]) على هذا فإن وظائفه كانت متداخلة في ضوء قول الدكتور خليل الكبيسي"أن معظم الوظائف في الدولة الإسلامية متداخلة وذلك لارتباط الدين بالسياسة في المجتمع الإسلامي، فالوظائف الدينية لها جانب عام والوظائف العامة لها جانب ديني ولهذا فإن تصنيفها تحت هذا الجانب أو ذاك تم حسب أرجحية أحد الجانبين"([79]).