You are here

قراءة كتاب الاتحاد الأوروبي كظاهرة إقليمية متميزة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الاتحاد الأوروبي كظاهرة إقليمية متميزة

الاتحاد الأوروبي كظاهرة إقليمية متميزة

كتاب " الاتحاد الأوروبي كظاهرة إقليمية متميزة " ، تأليف د.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

وبذلك فقد أصبح النظام الدولي يعتمد في حركته على تعامل واسع النطاق يحدث من خلال المجموعات الإقليمية، مما يدلل على "أهمية الظاهرة الإقليمية في تشكيل حركة ومعالم النظام العالمي" ([10]).

وقد أوضح ذلك الباحث عبد الفتاح الرشدان بقوله: "انطبع النظام الدولي بشبكة من المنظمات والأنساق وأخذت تشكل التجمعات والمنظمات الإقليمية واحدة من أهم سمات المجتمع الدولي المعاصر. وذلك نتيجة الترابط والاعتماد المتبادل... بين الدول، وأخذت التنظيمات الدولية والإقليمية تكبر ويتسع دورها بقدر ازدياد الانصهار والتكامل الدولي... وبقدر التشابك والتداخل في العلاقات الدولية في كافة المجالات السياسية والإستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية" ([11]). وهذا ما يوضحه كذلك الباحث إسماعيل صبري مقلد، بقوله: إن هذه العلاقات تقوم، "على أساس من التقارب الإيديولوجي أو المذهبي، أو وحدة الاتجاهات السياسية، أو الالتفاف حول مجموعة من الأهداف المشتركة"([12]). وقد شهد العالم مؤخرا نشاطا واسع النطاق على صعيد تكوين التكتلات الاقتصادية الإقليمية سواء في إطار ثنائي أو شبه إقليمي أو إقليمي، أو تجمعات لا تكتسب صفة الإقليمية المباشرة، وإنما تجمع بين مجموعة من الدول ذات التفكير المتشابه غير نطاق جغرافي متسع تحده المحيطات؛ فمثلا في الأمريكيتين ظهرت السوق المشتركة لدول أمريكا الجنوبية (NCMSA) عام 1991، كذلك إنشاء منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA) سنة 1994 ([13]).

ومن الممكن أن ندلل على تأثر النظام الدولي بهذه الظاهرة من خلال الحديث عن الأمور التالية([14]): 1-القانون الدولي في غالبية قواعده أوروبي المنشأ؛ بمعنى أنه كان قانونا إقليميا نشأ في ظل الهيمنة الأوروبية، وقد تم نقله فيما بعد إلى المجال الدولي.

2- لقد تمخضت الكثير من القواعد القانونية الدولية عن العرف الإقليمي، ومن أمثلة تلك القواعد المتعلقة بتنظيم الحرب والحياد وقانون البحار. هذا علاوة على دور المنظمات الإقليمية في تطوير القانون الدولي.

3- دور وأهمية التنظيمات أو الحلول الإقليمية لمواجهة المشاكل الدولية، وذلك في عدة حالات؛ ومن أهمها صعوبة تحقيق فكرة الأمن الجماعي عن طريق هيئة الأمم المتحدة، مما أدى إلى سعي الدول إلى وضع ترتيبات إقليمية للأمن مثل الأحلاف العسكرية المختلفة، وكذلك معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي عام 1950 بين دول الجامعة العربية. وكذلك فإن بعض المشاكل الدولية يتم مناقشتها والتفاوض حولها من خلال المجموعات الإقليمية. وكما قال أحد الباحثين، "ولعل الاتجاه نحو الإقليمية (Regionalism) الذي انعكس في قيام تكتلات اقتصادية يمثل نوعا من التأمين ضد الحدة المتزايدة للمنافسة الدولية([15]) (1).

وعلى الرغم من أهمية هذه الظاهرة الدولية، فإن ميثاق عصبة الأمم وميثاق الأمم المتحدة لم يضعا على وجه التحديد تعريفا محددا للإقليمية، مع أن الميثاق الأخير كان قد أقر إنشاء المنظمات الإقليمية في المادة 52 من فصله الثامن، وكما يلي: "ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين ما يكون العمل الإقليمي صالحا فيها ومناسبا ما دامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائما مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها".

ومن جهة أخرى، فقد اختلف الفقه بخصوص تعريفه للمنظمات الإقليمية، وذلك بسبب تنوع المعايير التي يبنى عليها كل اتجاه في تعريفه لهذه الظاهرة؛ فقد ينظر إلى هذه الظاهرة من منظور جغرافي يتطلب قيام رابطة جغرافية بين الدول المنظمة للمنظمة الدولية عن طريق الجوار الجغرافي أو المجال المكاني. وكذلك قد يتم الأخذ بمعايير واعتبارات أخرى سواء أكانت سياسية أو حضارية أو مذهبية أو عرقية أو اقتصادية...الخ. وهنالك من يعرف المنظمة الإقليمية بطريقة جامعة، كالباحث محمد شوقي عبد العال، يقول: هي "هيئة دائمة نشأتها، بمعاهدة دولية، مجموعة من الدول المتجاورة جغرافيا والمرتبطة فيما بينها بروابط التاريخ والمصالح والأهداف المشتركة لتنمية علاقاتها المتبادلة والحفاظ على السلم والأمن في منطقتها" ([16]). وها هو الباحث المعروف كارل د.دوتيش يقول إن مصطلح المنظمات الدولية المتخصصة يقتصر على ما يسمى عادة "بالمنطقة"، "وهو تعبير غامض، والمنطقة عبارة عن عدد قليل من الدول يجمع بينها بعض الروابط الجغرافية والثقافية والتاريخية، أو تربطها بعض العلاقات الاقتصادية والمالية، أو تجمعها مبادئ الحرية السياسية وما أشبه ذلك من الأنظمة الاجتماعية، أو مزيج من كل هذا" ([17]).

وقد انطلق شمعون بيرس، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، من المنطلق المكاني في حديثه عن مفهوم الإقليمية، وذلك في مجال الاقتصاد الإقليمي، عندما قال إن هذا الاقتصاد ينطوي على خطوات تدريجية لإقامة جماعة تشبه إلى حد كبير الجماعة الأوروبية، "لقد كان بين الأمم الأوروبية الغربية عداء تاريخي...، وقد استطال هذا العداء ... في بعض الحالات، قرونا أكثر من النزاع بين البلدان العربية وإسرائيل. غير أن هذه الأمم الأوروبية لم تنف حق جارها في الوجود"([18]). وكأنه يطالب بضرورة تحقيق وحدة اقتصادية إقليمية خاصة بمنطقة الشرق الأوسط، يكون لإسرائيل فيها دورا رياديا في هذه المنطقة الزاخرة بالأحداث.

وبعد القيام بتحليل المحاولات المختلفة لتعريف المنظمات الإقليمية، فقد لوضحت عدة أمور، ومن أهمها([19]):

1- كل تعريف يهدف إلى وضع معيار أو يتضمن العدد الأكبر من المنظمات بين جوانبه. لذلك فإن معيار التجاور الجغرافي، على سبيل المثال، وإن كان صادقا في حالات معينة (منظمة الدول الأمريكية ومنظمة الوحدة الإفريقية...)، فإنه لا يمكن الأخذ به مثلا لمنظمة الدول المصدرة للنفط.

2- إن المنظمة الإقليمية تتضمن توافر عنصرين متداخلين؛ أحدهما يسبق الآخر ويبرره. أما بالنسبة للعنصر الأول، فيتحقق بوجود رابطة ما من روابط التعاون أو التضامن؛ حضارية، ومكانية، واقتصادية، وأمنية، ومذهبية... بين عدد معين من الدول التي تحدد لدى وجودها والتمسك بها إنشاء منظمة إقليمية. ولكن أحيانا لا تقتصر الرابطة على عدد معين من الدول، ولكنها تشمل كل الدول، فنكون هنا أمام إيجاد منظمة دولية عالمية وليست إقليمية. ومن النتائج المترتبة على ذلك، أن المنظمة الإقليمية محدودة العضوية. وبمعنى آخر، فإن المنظمة الإقليمية تعد منظمة جزئية وليست عالمية، وهذا هو العنصر الثاني الضروري لقيام المنظمة (محدودية العضوية).

وبناء على ما تقدم يمكن تعريف المنظمة الإقليمية، بأنها "تلك المنظمة الجزئية التي لا تضم في عضويتها إلا عددا محدودا من الدول، نظرا لوجود رابطة تضامن محددة تجمع فيما بينها. فمحدودية مضمون رابطة التضامن تؤدي إلى محدودية نطاق العضوية في المنظمة الإقليمية" ([20]). وبذلك تعد الإقليمية regionalism وسيلة من وسائل التعاون الدولي المخطط له، يقوم على الوحدة الإقليمية لمجموعة الدول الداخلة فيه، وغالباً ما تعرض بديلاً من العالمية الشاملة التي تعتبر وسيلة من وسائل التعاون الدولي المنظم قوامه وحدة المشكلةالإنسانية لمجموعة الدول الداخلة فيه فالإقليمية والعالمية يعدان غير الوظيفية التي تعد من وسائل التعاون الدولي المنظم قوامه طبيعة المشكلة الإنسانية لعدد الدول المنظمة إليه([21]).

ومهما يكن الأمر، فإن الكثير من الباحثين والدارسين يحددون عدة معايير تقام عليها الإقليمية، في محاولة لتعريفها، ومتضمنة اتجاهات عدة ومختلفة للإقليمية، وحسب البعد الذي يقوم عليه، وكما يلي([22]):

1- الإقليمية ذات البعد الجغرافي، التي تقوم على رابطة النطاق المكاني أو الجوار الجغرافي.

2- الإقليمية ذات البعد المذهبي أو السياسي، التي تقوم على قاعدة الجمع بين عدد معين من الدول قد لا يربط بينها تجاور جغرافي، وإنما يجمع بينها سياسة أو مذهب معين. وقد يكون "الاتحاد من أجل المتوسط" الذي أقره الاتحاد الأوروبي عام 2008 (اجتماع بروكسل 13-14 مارس)، كمنظمة إقليمية تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار والازدهار والتنمية بمنطقة المتوسط، كمثال على هذا النوع من الإقليمية([23]).

3- الإقليمية ذات البعد المطلق، التي لا تقوم على أساس محدد وإنما يدخل في نطاقها كل منظمة لا تتجه بطبيعتها نحو العالمية، بل يقتصر نطاق عضويتها على مجموعة محددة من الدول لها قاسم مشترك، قد يكون جغرافيا أو سياسيا أو مذهبيا.

4- الإقليمية ذات المذهب الحضاري، التي تقوم على أساس الرابط الجغرافي مع توافر عوامل أخرى تدعمه، وتكون ذات بعد حضاري تقوم على وحدة اللغة أو الثقافة أو التاريخ.

وبناء على ذلك المنطلق، فإن العناصر الضرورية لقيام المنظمة تقوم على ما يلي([24]):

أ- عنصر التجاور بين الدول الأعضاء في المنظمة؛ بمعنى الانتماء إلى منطقة جغرافية واحدة.

ب- عنصر التضامن بين هذه الدول؛ بمعنى وجود دول تشترك كرابطة وحدة المصالح العسكرية والسياسية، وكذلك وحدة المصالح الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

ج- العمل المشترك من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وذلك عن طريق الأجهزة التي تكفل ذلك، وتلتزم بالتعاون في الكثير من المجالات.

د- التقاء أهداف ومبادئ المنظمة الإقليمية مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة، والتعاون فيما بينها.

وبخصوص فعالية المنظمات الدولية، فهناك اتجاه يقول إن المنظمات الدولية الإقليمية، التي تحتفظ فيها الدول الأعضاء بسيادتها كاملة، وعندما يكون الهدف من وجودها اختياري، أقل فاعلية من تلك التي تعطى سلطة فوق الدولة، مثل السوق الأوروبية المشتركة قبل عام 1993، والاتحاد الأوروبي منذ عام 1993.

أما بالنسبة للاتجاه الآخر، والذي يعد ردا على الاتجاه الأول، فيرى أن الأمر لا يتوقف فقط على مدى السلطات أو الاختصاصات الممنوحة للمنظمة الإقليمية بقدر ما يتوقف على إرادة الدول الأعضاء نحو تدعيم عمل المنظمة وتقرير رابطة التضامن فيما بينها. ويتساوى في ذلك المنظمات التي تقوم على التعاون الاختياري أو التي تستهدف مجرد التنسيق بين أعضائها أو التي يتحكم فيها سلطة فوق قومية.

فالبعض يحدد المقصود بالفعالية، بأنها قدرة المنظمة على تحقيق أهدافها، وحماية أمن أعضائها في مواجهة الآخرين ومحاولة تذليل العقبات التي تعترضها، وعدم الفعالية معناه فشل المنظمة في تحقيق أهدافها لأي سبب([25]).

وفي هذا السياق، يمكن ترديد القول بأن فعالية أي منظمة دولية تتمثل في قدرتها على التأثير الإيجابي في نطاق عملها، وفي المحيط الذي تعمل به وفيما يتعلق بجوانب أساسية ثلاثة، وهي: "1-تحقيق الالتزام بأهداف ومبادئ المنظمة وبما ترسيه عبر مسيرة حياتها من أعراف وتقاليد تحكم نشاطها ومواقفها وأساليب تعاملها مع مختلف القضايا والمشكلات التي تعرض لها، 2-إرساء قواعد التعاون والعمل الجماعي بين الدول الأعضاء وتوسيع نطاقه بشكل مستمر، 3-القدرة على حفظ السلم والأمن في النطاق الذي تعمل فيه المنظمة"([26]).

وعلى أية حال، فإن فعالية المنظمة الإقليمية لا تتوقف على مدى الاختصاصات أو الصلاحيات الممنوحة لها، بقدر ما تتوقف على رغبات وإرادات دولها في اتجاهها نحو مساندة الأعمال التي تقوم بها المنظمة، وتعزيز رابطة التضامن بين هذه الدول، سواء المنظمات التي تقوم على التعاون الاختياري يكون هدفها التنسيق بين أعضائها، أو التي تمنح سلطات فوق الدول كمنظمات الجماعة الاقتصادية الأوروبية([27]).

ولقد توصلت بعض المنظمات الإقليمية إلى مراحل أخرى من النمو سواء من حيث عدد الدول الأعضاء أو من حيث مجال النشاط أو كليهما معا، "وقد تكون المنظمات التي تكونت في أوروبا ألغربيه بعد الحرب العالمية الثانية من أهم وأكبر المنظمات الإقليمية..." ([28]).

ومهما يكن الأمر، فقد تم اللجوء إلى نظريات التكامل والنظريات الاندماجية لتفسير ظاهرة الإقليمية التي تعزز وتنتشر في كافة مناطق العالم، والتجربة الأوروبية تمثل نموذجا لنجاحها. علما بأن نظريات التكامل قد مثلت في حالات متعددة مرجعا يعتمد عليه من أجل تطوير ميادين تعاون دولية وإقليمية مثل الفلسفة التي كانت وراء إنشاء المنظمات الدولية المتخصصة بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك الحال بالنسبة لقرار إنشاء الجماعة الأوروبية في بداية خمسينيات القرن الماضي، التي تعد من أهم التجارب التكاملية نجاحا في العلاقات الدولية المعاصرة. أما فيما يتعلق بالمنظمات الإقليمية ودورها في ظل النظام التعددي التوافقي، فمن الممكن القول، إذا لم تطور هذه المنظمات من أنشطتها واختصاصاتها لكي تتخلص من فكر وأيديولوجية وأداء الحرب الباردة وما تلاها، فإنه من الممكن أن يتم تهميشها أكثر فأكثر. فيجب عليها التحول إلى مفاهيم التنمية الشاملة، وذلك بتحولها وانتقالها من مفهوم الأمن الاستراتيجي إلى الأمن والأمان الإنساني.

Pages