كتاب " الاتحاد الأوروبي كظاهرة إقليمية متميزة " ، تأليف د.
You are here
قراءة كتاب الاتحاد الأوروبي كظاهرة إقليمية متميزة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أولا:تميز التجربة التكاملية الأوروبية
تعد التجربة التكاملية الأوروبية تجربة فريدة ورائدة سواء من حيث التنظير أو من حيث التطبيق. إضافة إلى اتصافها بقدر كبير من التنوع، وشهودها العديد من التطورات البعيدة المدى في بعديها؛ الأفقي (الجغرافي) والذي ما يزال يحتفظ بحيويته وجاذبيته، والبعد الرأسي الذي يسمح بدرجات متباينة من العمق بالنسبة لأوجه التكامل المختلفة([32]) (1). كما يعد من عناصر تميزها التنافس الواضح بين المداخل الموسسية المختلفة، الذي استقر، في نهاية الأمر وبشكل سريع على مفهوم الجماعة الاقتصادية الدائمة التطور، مع فتحه الباب على مصراعيه أمام ما يسمى بالتكامل المرن الذي يسمح بدرجات متفاوتة من عمق التكامل وباختلاف النطاقات الأفقية ضمن نفس الإطار المؤسسي.
فالسلطات التي يتمتع بها الاتحاد الأوروبي تتسع كثيرا كلما تعلق الأمر بالأنشطة الخاصة بالسياسات التجارية والمالية والاقتصادية، وتضيق كثيرا كلما تعلق الأمر بأنشطة تخص السياسة الخارجية والأمن والشرطة والقضاء. وهذه السلطات هي سلطات فعلية وليست شكلية، وترتب حقوقا وواجبات والتزامات حقيقية ليس فقط في مواجهة الدول الأعضاء، ولكن في مواجهة الأفراد والجماعات. وكانت العديد من النزاعات القانونية التي فصلت فيها محكمة العدل الأوروبية خلال ستينيات القرن الماضي قد حسمت مسألة الشخصية القانونية للجماعة الأوروبية بشكل لا يقبل الجدل، بحيث أصبح من المسلم به أن الاتحاد الأوروبي يتمتع بشخصية دولية مستقلة لها طبيعة قانونية خاصة، نستطيع إجمال أهم سماتها وخصائصها وملامحها، فيما يلي([33]) (1):
1- يعد الاتحاد الأوروبي كيانا قانونيا وسياسيا له بنية مؤسسية مستقلة عن الدول الأعضاء، وتؤدي وظائف ومهام تستهدف في المقام الأول تحقيق مصلحة أوروبية عامة تمس المجتمعات الأوروبية، أفرادا وجماعات على المستوى ذاته، وبحسب التصورات الواردة في المعاهدات الأساسية.
2- لقد تنازلت الدول الأعضاء طواعية وبشكل دائم عن جانب من سيادتها أكبر مما تعودت الدول أن تتنازل عنه لصالح المنظمات الدولية الحكومية التقليدية، وذلك لتمكين هذا الكيان من ممارسة مهامه وتحقيق الأهداف والطموحات التي حملته إياه قوانينه الأساسية.
3- لقد تبلور نظام قانوني لهذا الكيان مستقل عن النظام القانوني لكل دولة عضو على حدة، وذلك نتيجة تنازل الدول الأعضاء له عن جانب من سيادتها.
4- قدرة هذا النظام القانوني على أن يتخذ من القوانين والقواعد والقرارات والإجراءات، ويصدر من التعليمات ما هو قابل للتطبيق المباشر داخل جميع دول الأعضاء بدون استثناء. وكانت النتيجة ترتيب الالتزامات والحقوق ليس فقط في مواجهة الدول الأعضاء، وإنما في مواجهة المواطنين والأفراد والجماعات الذين يعيشون داخل حدود هذه الدول.
5- تكون الأولوية للقوانين الصادرة عن الاتحاد الأوروبي على القوانين المحلية للدول الأعضاء في حالة التعارض، وعليه فلا يمكن إلغاء أو تعديل القوانين الأوروبية بقوانين محلية.
ومما يجب ذكره هنا أن ما يصدر عن الاتحاد الأوروبي في شكل قواعد واجبة التطبيق تعتبر ملزمة للدول الأعضاء وقابلة للتطبيق الفوري والمباشر دونما حاجة إلى إجراءات إضافية لنقلها إلى النظم القانونية المحلية، وما يصدر عن الاتحاد في صورة توجيهات فهي، وإن كانت ملزمة أيضا، إلا أنها ليست قابلة للتطبيق الفوري المباشر، "ويمكن لكل دولة أن تطبقها وتنقلها، بطريقتها الخاصة، إلى نظامها القانوني الداخلي" ([34]) (1).
ومن ناحية أخرى، فإنه ما يميز الاتحاد الأوروبي أيضا هو الطابع الديمقراطي للاتحاد الأوروبي، الذي يجب أن يفهم في إطار خصوصية النظام السياسي لهذا الكيان، كونه أقرب إلى شكل المنظمة الدولية الحكومية منه إلى شكل الدولة. ويتجلى مبدأ الديمقراطية على أفضل ما يكون في القواعد والأحكام المكتوبة والعرفية، التي تنظم شروط العضوية. فتقتصر عضوية الاتحاد الأوروبي على الدول ذات النظم السياسة الديمقراطية. وكما هو معلوم، فإن دولا مثل أسبانيا والبرتغال واليونان لم تقبل كأعضاء في الجماعة الأوروبية إلا بعد انهيار النظم الشمولية فيها وقيام نظم سياسية ليبرالية على أنقاضها. وكذلك لم ينفتح الاتحاد الأوروبي على دول أوروبا الشرقية ويبدي استعداده لقبول عضويتها إلا بعد انهيار نظمها الشيوعية وانتصار النظم الليبرالية فيها. وكذلك الحال بالنسبة لتركيا التي ما زالت الكثير من العقبات تعترض انضمامها، ومنها عدم اكتمال مقومات الديمقراطية فيها.
وكما هو معروف، فإن أي منظمة دولية لا تستمد شرعية سلطتها من إرادة عامة يبلورها "عقد اجتماعي" مفترض يتم إبرامه بين الحكام والمحكومين، كما هو الحال بالنسبة إلى الدولة، وإنما من اتفاق سياسي إرادي مقنن في صورة "معاهدة" يتم إبرامها بين دول مستقلة ذات سيادة. ومع ذلك فقد حرص الاتحاد الأوروبي أن يؤكد طابعه الديمقراطي المميز والفريد من خلال عدد من الخصائص والسمات التي ميزته عن غيره من المنظمات الدولية التقليدية، ومن أهمها([35]) (1):
1- حرص الاتحاد الشديد على أن تكون حكومات الدول الأعضاء نفسها منتخبة انتخابا حرا يعبر عن الإرادة الشعبية كشرط أولي وأساسي من شروط العضوية نفسها.


