كتاب " ظاهرة التبادل اللغوي في العربية " ، تأليف د. عاطف طالب الرفوع ، والذي صدر عن
قراءة كتاب ظاهرة التبادل اللغوي في العربية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
3.1 المصطلحات والألفاظ الدالة على مفهوم التبادل
1.3.1 التعاور
أوَّلُ منْ ذكرَ هذا المصطلحَ منْ أصحابِ المعاجمِ أبو منصورٍ الأزهريُّ (ت: 370هـ) في تهذيبِ اللُّغةِ تحتَ مادةِ (عَورَ). قالَ: قالَ ابنُ الأعرابيِّ: التَّعاوُرُ والاعتوارُ هو أنْ يكونَ هذا مكانَ هذا، وهذا مكانَ هذا([14]).
وعندَ تقصِّي كُتُبِ اللُّغةِ وجدتُ أنَّ السُّيوطيَّ هو أوَّلُ منْ استخدمَهُ ووظَّفَهُ في كتابِهِ (المزهرِ)، حيثُ جاءَ فيه قولُهُم: نَشزتْ المرأةُ ونَشصتْ ونَشستْ، ويقولُ السُّيوطيُّ: ونظيرُ هذهِ الأحرفِ الثَّلاثةِ -أعني الزَّايَ والسِّينَ والصَّادَ- في التَّعاورِ: التَّاءُ والدَّالُ والطَّاءُ([15]).
ومعنى نصِّ السُّيوطيِّ أنَّ هذهِ الأحرفَ الثَّلاثةَ - الزَّايَ والسِّينَ والصَّادَ - تقعُ موقعَ بعضِها كما أنّ التَّاءَ والدَّالَ والطَّاءَ تقعُ موقعَ بعضِها؛ فهذه الحروفُ تتبادلُ معَ بعضِها وتحلُّ محلَّ بعضِها منْ بابِ التَّبادلِ بينَ الحروفِ، وبناءً عليه فالتَّعاورُ والتَّبادلُ مصطلحانِ مترادفانِ يدلانِ على مفهومٍ واحدٍ وهذا ما يؤكِّدُهُ المعنى اللُّغويُّ أيضاً، إلا أنَّ مصطلحَ التَّعاورِ مصطلحٌ نادرٌ لمْ يردْ لَهُ ذكرٌ إلا عندَ الأزهريِّ وبعضِ أصحابِ المعاجمِ والسُّيوطيِّ.
2.3.1 البدل
البدلُ مصطلحٌ وبابٌ نحْويٌّ شائعٌ في مصنَّفاتِ اللُّغةِ، ولكنَّ ابنَ عصفورٍ وظَّفَهُ في كتابِهِ (ضرائرِ الشِّعرِ) توظيفاً مغايراً، فمنْ خلالِ المسائلِ الَّتي صنَّفَها تحتَهُ وجدْناهُ لمْ يَقْصِدْ بِهِ البدلَ النَّحويَّ؛ بلْ إنَّ ما ذكرَهُ تحتَ هذا المصطلحِ منْ مسائلَ وأمثلةٍ يوحي بأنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ ظواهرَ متعدِّدةً لا سيَّما ظاهرةُ التَّبادلِ اللُّغويِّ الَّتي تقدَّمَ تعريفُها، وسوفَ يأتي تفصيلُ القولِ في هذهِ المسألةِ تحتَ عنوانِ (التَّبادلِ اللُّغويِّ عندَ ابنِ عصفورٍ) في الصَّفحاتِ القادمةِ منْ هذا الفصلِ.
2.3.1 تقارض اللفظين
ذكرَ هذا المصطلحَ ابنُ هشامٍ الأنصاريُّ (ت: 761هـ) في مغني اللَّبيبِ، حيثُ قالَ: ومـنْ ملحِ كلامِهِم تقارضُ اللَّفظينِ في الأحكامِ، ومنْ أمثلةِ ذلك: إعطاءُ (غير) حكمَ (إلا) في الاستثناءِ بها نحو قولِهِ تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء:95] فيمنْ نصبَ (غير)، وإعطاءُ (إلا) حكمَ (غير) في الوصفِ بها([16]) نحـو قولِهِ تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء:22]، وهنالك أمثلةٌ كثيرةٌ ساقَها ابنُ هشامٍ على التَّقارضِ سوفَ ندرسُها في بابٍ آخرَ؛ كالتَّقارضِ بينَ (أنْ) المصدريَّةِ و(ما) المصدريَّةِ، وبينَ (إنْ) الشَّرطيَّةِ و(لو)، وبينَ (إذا) و(متى)، وبينَ (لمْ) الجازمةِ و(لنْ) النَّاصبةِ .
وقدْ سبقتْ الإشارةُ إلى مصطلحِ (التَّقارضِ) عندَ كلٍّ منْ الزَّمخشريِّ (ت: 538هـ)، وابنِ يعيشَ (ت: 643هـ) في مَعْرِضِ حديثهِما عنْ (غير) و(إلا) وعملِهِما. قالَ الزَّمخشريُّ: اعلمْ أنَّ (إلا) و(غيراً) يتقارضانِ ما لكلِّ واحدٍ منهما، فالَّذي لـ(غير) في أصلِهِ أنْ يكونَ وصفاً يمسُّهُ إعرابُ ما قبلَهُ...، ثُمَّ دخلَ على (إلا) في الاستثناءِ، وقدْ دخلَ عليه (إلا) في الوصفيَّةِ([17]). وقالَ ابنُ يعيشَ موضِّحاً مقالةَ الزَّمخشريِّ: يتقارضانِ ما لكلِّ واحدٍ منهما، يعني أنَّ كلَّ واحدٍ منهما يستعيرُ منْ الآخرِ حكماً هو أخصُّ بِهِ، فحكمُ (غير) الَّذي هو مختصٌّ بِهِ الوصفيَّةُ، والاستثناءُ فيه عارِضٌ مُعارٌ منْ (إلا)، وقدْ حملُوا (إلا) على (غير) في الوصفيَّةِ فوصفوا بها([18]).
وعرَّفَ بسيوني التَّقارضَ بأنَّهُ منْ القرْضِ: وهو السَّلَفُ، فكلُّ لفظٍ يقترضُ منْ الآخرِ حكمَهُ؛ فـ(إلا): حرفٌ، و(غير): اسمٌ، ولكنْ قدْ يتقارضُ اللَّفظانِ؛ فتُعطى (غير) حكمَ (إلا) في الاستثناءِ بها، وتُعطى (إلا) حكمَ (غير) في الوصفِ بِها([19]).
وبناءً على ما ذُكِرَ فإِنَّ المقصودَ بتقارضِ اللَّفظينِ الَّذي ذكرَهُ ابنُ هشامٍ، أوْ بالتَّقارضِ كما ذكرَ الزَّمخشريُّ وابنُ يعيشَ منْ قبلُ هو أنْ يتبادلَ أوْ يتقارضَ لفظانِ في بعضِ الأحكامِ والوظائفِ، بحيثُ يأخذُ كلُّ واحدٍ منهما حكمَ الآخرِ، ويقومُ بوظيفتِهِ وعملِهِ، وقدْ ذكرَ ابنُ يعيشَ أنَّ التَّقارضَ يعني أنَّ كلَّ واحدٍ منهما يستعيرُ منْ الآخرِ حكماً هو أخصُّ بِهِ...، وهذهِ اللَّفظةُ تتَّفقُ في الدَّلالةِ معَ مصطلحِ التَّعاورِ، وبناءً على هذا فإنَّ التَّعاورَ والتَّقارضَ والتَّبادلَ مصطلحاتٌ قدْ تتَّفقُ في الدَّلالةِ على هذهِ الظَّاهرةِ اللُّغويَّةِ.
3.3.1 الإنابة أو النيابة
الإنابةُ مصدرٌ للفعلِ الرُّباعيِّ (أنابَ)، والنِّيابةُ مصدرٌ للفعـلِ الثُّـلاثيِّ (نابَ)، وجاءَ في معاجمِ اللُّغةِ تحتَ مادَّةِ (نَابَ) و(نَوَبَ): نابَ عنِّي فلانٌ يَنُوبُ نَوْباً ومَناباً أَيْ: قامَ مقامِي؛ ونابَ عَنِّي في هذا الأَمْرِ نيابةً؛ إذا قامَ مقامَك. ونابَ الشَّيءُ عنْ الشَّيءِ، يَنُوبُ: قامَ مَقامَهُ؛ وأَنَبْتُهُ أَنا عنه. وناوَبَهُ: عاقَبَهُ. ونابَ فلانٌ إِلى الله تعالى، وأَنابَ إِليه إِنابةً، فهو مُنِيبٌ: أَقْبَلَ وتابَ، ورجَعَ إِلى الطَّاعةِ؛ وقيلَ: نابَ لَزِمَ الطَّاعةَ، وأَنابَ: تابَ ورجَعَ. والإِنابةُ: الرُّجوعُ إِلى الله بالتَّوبةِ([20]).
أمَّا مفهومُهما الاصطلاحيُّ أو النَّحويُّ فهما يدلانِ على مفهومٍ واحدٍ إلى حدٍّ ما. يقولُ مصطفى شعبان المصريُّ: «وهما لفظانِ شائعانِ في النَّحوِ العربيِّ، ليسَ بينَهُما فرقٌ عندَ النُّحاةِ فهما يستخدمانِ بمعنى واحدٍ، ويمكنُ أنْ يدلَّ كلٌّ منهما على الآخرِ، فتارةً يقولُ النُّحاةُ: إنابةً، وتارةً أخرى يقولون: نيابةً»([21]) .
عرَّفَ الباحثُ محمد سمير اللَّبديُّ النِّيابةَ بأنَّها: «إقامةُ شيءٍ مقامَ شيءٍ آخرَ»([22]). وَعُرِّفَتْ أيضاً بأنَّها: «أنْ يقعَ اللََّفظُ موقعاً ليسَ لَهُ بجهةِ الأصالةِ، فيقومَ مقامَ ما خلفَهُ في العملِ، أوْ الموقعِ الإعرابيِّ، أوْ الإفادةِ أوْ الوظيفةِ في الجملةِ»([23]).
وعرَّفَ مصطفى شعبان المصريُّ الإنابةَ بأنَّها: «إقامةُ عنصرٍ أوْ أكثرَ مقامَ عنصرٍ آخرَ، أوْ أكثرَ منْ عنصرٍ داخلَ التَّركيبِ، فيأخذُ حكمَهُ الوظيفيَّ، أوْ يكتفى بأنْ ينوبَ عنه معنىً أوْ لفظاً»([24]).
نلاحظُ أنَّ المفاهيمَ الَّتي وضعَها الدَّارسون للتَّبادلِ والإنابةِ أو النِّيابةِ متقاربةٌ فهي تدلُّ على إقامةِ صيغةٍ أوْ شيءٍ مقامَ شيءٍ آخرَ، ولكنَّهُما يفترقان في أمورٍ عديدةٍ كما سنوضِّحُ هذا.