كتاب " الموساد العمليات الكبرى " ، تأليف ميخائيل بار زوهر و نسيم مشعل ، ترجمة بدر عقيلي ، والذي صدر عن
You are here
قراءة كتاب الموساد العمليات الكبرى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
لقد هزت قضايا إيسر الكبير قيادة الدولة، لكنها أسفرت عن نتائج إيجابية على المدى الطويل، فقد جاءت أساليبه – والتي بدا أنها مستقاة من أساليب المخابرات السوفييتية- بمثابة تحذير لمسؤولي الدولة، الذين كانوا يدركون أنه لا يتوجب على أجهزة أمن الدولة اليهودية الديمقراطية أن تعمل على هذا النحو، لا يجب أن يكون التعذيب، والتزوير والإعدام السري جزءا من أساليب عمل أجهزة الأمن الإسرائيلية. بل ويجب أيضا على أجهزة الأمن التي يقتضي عملها منها أن تعمل بصورة طبيعية خارج القانون وأحيانا بصورة مخالفة للقانون، أن تحترم القواعد الأخلاقية الأساسية. ومنذ تلك اللحظة أصبحت أخلاقية الشخص بمثابة إحدى التقديرات الأساسية في تعيين رئيس أية شعبة استخبارية.
أدت كل تلك الأحداث إلى تمخضات وتغييرات واسعة في أجهزة الأمن. وقد تم تعيين إيسر هرئيل رئيسا لأجهزة الأمن. وفي كانون الأول عام 1949 أمر بن جوريون مستشاره روبن شيلوح بتشكيل "الموساد لتركيز وتنسيق عمليات المخابرات"، وهكذا ولدت فكرة إنشاء وكالة تجسس قومية على غرار وكالات المخابرات في الولايات المتحدة. وفي الأول من نيسان 1951 أُنشئ الموساد عمليا حينما نُقلت إليه جميع مهام "الشعبة السياسية" التابعة لوزارة الخارجية، والتي كانت بمثابة شعبة التجسس الرسمية لدولة إسرائيل.
كان شيلوح رجلا مثقفا، ذكيا، ولطيفا، وكان يتمتع بخبرة جيدة على الصعيد الاستخباري والسياسي، ووضع أسس العلاقة بين هشاي ووكالة oss – المخابرات الأميركية ما قبل تشكيل وكالة المخابرات cia - وقد مَنح شيلوح للموساد مهمة خاصة تتمثل في الدفاع عن اليهود في كل مكان في العالم، والعمل على تهجير اليهود من جميع أنحاء العالم إلى إسرائيل.
كان شيلوح دبلوماسيا رفيع المستوى ورجل استخبارات جديا، بيد أنه كان يفتقر إلى الخيال الخصب ومقدرة القيادة، ولم يبد أن إيسر هرئيل كان متحمسا له، الأمر الذي جعله يفتش عن طرق يصل فيها إلى بن جوريون.
كان الموساد على عهد شيلوح لا زال يحبو في بداية الطريق، وقد مُني بالعديد من الهزات، أولها كان حينما تم حل "الشعبة السياسية" التابعة لوزارة الخارجية التي كان يديرها بوريس جوريئيل. لقد كانت هذه الشعبة بمثابة الجهة الاستخبارية الإسرائيلية الأساسية، بيد أن رسلها في أوروبا أثاروا غضب المخابرات وشعبة الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش بأسلوب حياتهم المرفه والمبذر مقارنة بإنجازاتهم الطفيفة، وعندما قام شيلوح بحل الشعبة السياسية، وأنشأ الموساد على أنقاضها، تمرد أولئك الرسل وهددوا بالاستقالة، بل وقاموا بتدمير وثائق، الأمر الذي تطلب إنشاء الموساد من لا شيء.
استقال شيلوح من الموساد بعد حوالي سنة إثر حادثة طرق خطيرة – وهناك من يقول أن استقالته جاءت على أرضية الخلافات الشخصية بينه وبين إيسر هرئيل، والذي تغلب فيها الأخير عليه. وحال استقالته تم تعيين هرئيل رئيسا للموساد وفي نفس الوقت بقي محتفظا في يده بقيادة أجهزة الأمن، ومن ثم أصبح مسؤولا عن جميع أجهزة الأمن، وهي الوظيفة التي ظل متمسكا بها إحدى عشرة سنة.
لقد ترك هرئيل بصماته على الأجهزة الأمنية. كان رجلا قويا، مركزيا، متمسكا بالأهداف ويتمتع بحس مذهل، ورغم ذلك أدار عمليات استخبارية سياسية، وأعلم بن جوريون بكل ما يدور داخل الأحزاب المختلفة. لقد كان هذا الاتجاه غير مرغوب فيه، لذا قام ورثته في قيادة الأجهزة الأمنية بإلغائه.
كان على هرئيل خلال السنوات الأولى لتوليه منصبه الجديد أن يحارب التجسس السوفييتي على إسرائيل، والذي كان دبلوماسيون سوفييت يقومون بإدارته، وإن كان يمارس بصورة رئيسية من قبل يهود ممن كان بعضهم عملاء زرعهم السوفييت إبان هجرتهم إلى إسرائيل، والبعض الآخر لديهم أسر في الاتحاد السوفييتي وقد استغلت المخابرات السوفييتية هذه الفرصة كورقة ضغط عليهم، لقد أجبرهم ضباط المخابرات السوفييتية الـ "كي.جيه.بيه" على التجسس لصالحهم بتهديدهم بالإساءة إلى أقاربهم في أوروبا الشرقية، وكان بعضهم الآخر من اليساريين الإسرائيليين الأبرياء والأغبياء الذين ربطوا أنفسهم بخدمة السوفييت انصياعا للأيديولوجية اليسارية المتطرفة ومن خلال التقدير الكبير للاتحاد السوفييتي ولستالين الملقب "شمس الشعوب".
لقد أدار هرئيل المعركة المذكورة بنجاح كبير بفضل الحس المرهف الذي كان يتمتع به. لقد اعتاد أصدقاؤه ومعجبوه ترديد روايات مذهلة حول المقدرة التي كان يتمتع بها على هذا الصعيد، ومن ضمنها قضية زئيف إفني. وإفني كان دبلوماسيا إسرائيليا محنكا وساحرا، وقد عمل سنوات طويلة في أوروبا وحظي بتقدير جميع المسؤولين عنه. وبدأ إفني يتقرب من الموساد بصورة تدريجية، مما حدا بمسؤولي الموساد لتكليفه بالعديد من المهام رغم أنه لم يضم إلى الموساد بصورة رسمية. لقد وصلت الأمور إلى حد أن هرئيل نفسه كان يقدر الدور الذي يقوم به تقديرا كبيرا، رغم أنه امتنع عن ضمه إلى الموساد رسميا نظرا لأنه كان يعمل في وزارة الخارجية.