You are here

قراءة كتاب نزهة الخاطر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نزهة الخاطر

نزهة الخاطر

كتاب " نزهة الخاطر " ، تأليف أمين الزاوي ، والذي صدر عن منشورات ضفاف ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 7

3

وبالبيت الكبير يقيم أيضًا العمان الصافي وسليمان، الأول متزوج، أما الثاني فأعزب لا يفكر في الزواج البتة. وعمي الصافي لا نشاهده إلا شهرًا واحدًا في السنة، يكون ذلك في شهر رمضان، إذ إنه يشتغل عاملاً مهاجرًا في فرنسا.

يعد العم سليمان آخر عنقود جدتي، رجل من عسل، هو الوحيد الذي كان قادرًا على أن يسخر من بركة الديك ميمون، وتلك قوة لا يملكها غيره، وكثيرًا ما تجرأ بالتفوه بالعبارة الساخرة التالية أمام جدتي: متى نستلذ بلحم هذا الميمون ياحاجة، متى يدخل الطنجرة؟ مرقه هائل!! فتغضب جدتي غضبًا كبيرًا وتصرخ لاعنة هذه الذرية الفاسدة، وتتهمه بالكفر وبأن الله سيعاقبه على أفكاره الخبيثة في هذه الدنيا قبل الآخرة. كان عمي سليمان يتناول السكين بين يديه، سكينًا كبيرًا مخصصًا لأضحية العيد، يشهره ويمشي مختالاً قبالة جدتي قائلاً وهو يقهقه كالطفل: أين ميمون ياحاجة؟ تغلق جدتي باب غرفتها عليها، ثم تستسلم للبكاء والصلاة والدعوات، وسليمان من خلف الباب يضحك ويقهقه.

كان عمي سليمان يحب الموسيقى الشعبية، ويؤدي رقصة العلاوي الفلكلورية بطريقة مدهشة في الأعراس وفي الأفراح العائلية. كان له صوت غير جميل ولكنه متميز وهو يؤدي أغنيته المفضلة، أغنية الباسبور لخضر لصاحبها الشيخ التينساني، والتي شاعت كثيرًا في منطقتنا، كلما تذكر أخاه الصافي، أغنية تصور رغبة الشباب في الهجرة إلى ما وراء البحار؛ هروبًا من الفقر والحاجة وتلبية متطلبات العشيقة، أغنية يرددها الرجال والنساء على السواء في كل مناسبة، تقول الأغنية:

لو كان الباسبور عَنْدي- نَمْشي لَ فْرَنْسا نْولّي لاباس

مْنين الباسبور والو- ما عَنْدي ما نْدير يابَنْت الناس

لو كان الباسبور عَنْدي- نَرْكَبْ فَ الطّايْرَة ونَـﯕْطَعْ لَبْحور

نَخْدَم ونْدير المْلايَنْ- نَشْري لوطو نْجيبْها فَ الْبابور

لو كان الباسبور عَنْدي- نَـﯕْطَعْ لَ فْرَنْسا ونَخْدَم فَ النّور

في الحفلات والأعراس، كانت عين عمي سليمان التي لا تنام مسلطة على النساء الجميلات، وعيونهن عليه، لا تراه إلا مقهقهًا، لم يفقد الطفل الشقي فيه، لا يحسن كتابة حتى اسمه، يعرف من حروف الأبجدية كتابة حرف "بَ" بالفتحة دائمًا، لماذا بالفتحة دائمًا؟ لا أحد يعرف ذلك، حتى هو لا يعرف لماذا يكتبه هكذا، وما هذا الذي يكتبه هكذا!

كره المدرسة من صغره، فلم يدخلها إلا يومين اثنين لا ثالث لهما، نفر منها ثم قاطعها نهائيًّا، لم يعد إليها مطلقًا، على الرغم من إلحاح جدي عبد المؤمن مزيان الكومي وجدتي البتول، ولم يجلس على حصير مدرسة الكتّاب، يعرف الحساب إلى عدد تسعة وتسعين وبعده تختلط عليه الأعداد، لكنه يدرك وبذكاء خارق حساب فلوسه؛ فالأوراق النقدية لا تفوته قيمتها وعدها، هو لا يخطئ في ذلك أبدًا، مع إنه ميال إلى الحياة أكثر من ميله إلى الفلوس، كان رجل إحساس لا رجل حساب.

Pages