You are here
قراءة كتاب الترجمة والعولمة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الترجمة، رهان العولمة الأساس
ميخائيل أوستينوف
Michaël Oustinoff
ما ينبغي أن نأخذه في الحسبان أن العبارة التي شاعت في الحقبة التي بدأ فيها الأنترنت في التسعينيات يتطور بخطى متسارعة كل التسارع هي عبارة: إن لغة "الطرق السريعة للاتصالات" ستكون الإنجليزية-وأصبح ذلك من الآن فصاعداً حكماً مطلقاً. إن حضورها الطاغي، وهذه حقيقة، يبدو ظاهراً للعيان.
وما ذكرناه يجعل الحجة التي يتخذها مناصرو الإنجليزية للقول: إنها لغة كونية، وإنها وحدها لغة الحداثة، بل لغة "ما بعد الحداثة"، حجة صائبة.
لنحاول رسم لوحة لما يجري اليوم: من ذا الذي يجرؤ أن يزعم اليوم أن اللغة الإنجليزية لغة كونية، وأنها لغة الحداثة وما بعد الحداثة، ومستخدموها هم اليوم أقل من النسبة الرمزية 50% بالنسبة إلى اللغات الآخرى، وهو تطور يبدو أنه أمر لا يمكن إخفاؤه شأنه شأن انتشارها في مرحلة نشأتها الأولى[1].
ولكن الأمور، على الرغم مما ذكرناه، ليست بالبساطة التي نتخيلها. ينبغي، هنا وفي أي موضع آخر، الابتعاد عن الموقف الثنائي. إن للعولمة من وجهة نظر اللغات حركة مزدوجة، هي في الوقت نفسه[10] جاذبة نحو المركز (بسبب الجاذبية التي تمارسها الإنجليزية بوصفها لغة مشتركة)[2] وطاردة عن المركز: لأن العالم من وجهة نظر الاتصال يخطو باتجاه تعدد لغوي[3] يسير بخطى سريعة وليس العكس. وتطرح هذه الحركة كما يبدو سلسلة من الأسئلة. أولها ينصب على معرفة السبب الذي يدعونا إلى المسير باتجاه التعقيد بدلا من السير باتجاه البساطة الظاهرية المتمثلة باللغة الواحدة؛ والسؤال الثاني هو معرفة كيف يمكن ضبط ذلك التعقيد؛ والسؤال الثالث والأخير هو التساؤل عن النتائج التي يفترضها هذا المعطى الجديد للعولمة[4] من وجهة نظر الاتصال الذي يتناقص الاهتمام به أكثر فأكثر في إطار لغة واحدة أو ثقافة واحدة.
إن فيما ذكرناه انقلاباً في المنظور بدأنا للتو في حل رموز مراهناته، لأننا كنا خلال زمن طويل معتادين على النظر إلى الأشياء عبْر المقولة المشوهة: كل شيء للإنجليزية[5]، أو أي مقولة آخرى من مشتقاتها، والمقصود في نهاية الأمر المقولة التي تقوم على رؤية تقنية خالصة للغات التي ننتقص قدرها بالنظر إليها على أنها مجرد أدوات يمكن استعمال أحدها بدل الآخر، في حين أن كل لغة تعد رؤية لعالم يختص بها وحدها. ولكن اللغات التي تنقل المعلومات (بالمعنى التأثيلي للكلمة)[6] ليست مجرد "أنابيب" "للمحتويات" التي تمر عبرها.
[11] لذلك قرر القائمون على مجلة هرمس Hermès تخصيص عددين منها لهذه المسألة، نُشرا على مدى ثلاث سنوات (العدد 49 في عام 2007م والعدد 56 في عام 2010): لقد أصبح من المستحيل اليوم تحليل التواصل في عصر العولمة معرضين عن مسألة الترجمة التي هي من الآن فصاعداً مسألة مركزية. إن هذا الأمر ظاهرة جديدة، كان من السابق لأوانه الاهتمام بكل تداعياتها[7].