كتاب " باسم الشعب ... وللشعب " ، تأليف غالب غانم ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب باسم الشعب ... وللشعب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
باسم الشعب ... وللشعب
إنّ حالَ القضاء اللبناني، في تلك الغضون، كانت حالاً صحيّة على العموم. أقول على العموم. لأنّ الاطلاق، في القضائيات والدنيويات، يُوشِكُ ان يُزعزع اليقين بصحّة ما ندعو اليه.وأقول على العموم لأنه ما مِن شجرة، في أيّ بستان، كائنةً ما كانت نضارتُها وخُصُوبتُها، الّا ويُصيبُ بعض قُطوفِها وَهَنٌ أو ذبول أو... اهتراء. ولا نحسَبَنَّ كلَّ القضاة، في كلّ دول العالم، مِثقالاً واحداً أو ميزاناً واحداً وذَهباً خالصاً. والبيئةُ القضائية الصالحة، والقضاء الصّالح، يُوجَدان حيث تطغى قاعدةُ الصّلاح طغيانَهَا البَيّن على الشواذ الذي إن ضَؤُلَ وتقلّص قلنا إن الأمر واقعي وإن كان غير مستحبّ، وإن تنامى قلنا إنّ العِلّةَ ضاربَةٌ في جذور الشجرة، لا في القَليل من غصونها وثمارها وحَسب.
أظنّ أنّ أحداً لن يَفهم من كلامي أنني من المتساهلين في مواجهة الفساد والتكاسل والخطأ والانحياز والنفعيّة والاعتباط والقساوة والخوف وتسخير العام خدمةً للخاص ونقل الحق من صاحبه المستحقّ الى مُغتصبِهِ الذي حاول ويحاول، خَلَلَ العصور جميعاً، أن يأكل زاده وزاد سواه مُتلّطياً بالتضليل والتشويه والمحاباة. والأدهى من ذلك، مُتَلّطياً بالقضاء. أردتُ ان اقول إنّ أفضلَ قضاء هو من كان الغالبُ الأكثري من قضاته صالحاً. ولو كان الجميع صالحين، مئة بالمئة، لصرنا في جمهوريّة أفلاطون، أو في مدينةِ الفارابي الفاضلة، وهما الجمهورية والمدينة المرسومتان على لوحِ المثال الكبير، وفي الظنون والأحلام، وعلى ورقٍ إذا تلمّسناهُ لا يُلمَس، وإذا ذهبنا الى الورّاقين نودُّ شراءه، حتى ولوكان خالياً من النظريات، لما اهتدينا الى دكاكينهم ومخابئهم.
أَلَيسَت هذه هي حال العدالةِ المطلقة أيضاً، عنيتُ عدالة الأرض المطلقة، والمستحيلة.! أستعيد، لتبيانِ ما أدلُّ عليه، حَدَثاً مُعبّراً شهده قصر العدل في بيروت، في الثاني من نيسان عام 1946. آنذاك، أقام القضاة حفلةَ وداع لزميلهم الاستاذ سليم حيدر بمناسبة تعيينه في السلك الخارجي. وقد تعاقب على الكلام، آنذاك، قضاةٌ أفذاذ، هم الرئيس الاول الفرد تابت، والرؤساء فارس نصّار وصبحي المحمصاني ومسعود حنين. أكابرُ القوم وأكابر العدالة في ذلك التاريخ، في الحقبة الزمنيّة التي سبقت إلغاء المحاكم المختلطة اللبنانية الفرنسية، بقليل، علماً بان هذه المحاكم أُلغيت بقانون صدر في اليوم الأخير من العام 1946.