كتاب " باسم الشعب ... وللشعب " ، تأليف غالب غانم ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب باسم الشعب ... وللشعب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
باسم الشعب ... وللشعب
إنّ القاضي الذي كان على مشارف التخرّج، مدفوعاً بزخم الفتوّة ومثاليّة الموقف وجَرَاءة النقد... ومدفوعاً على الأخصّ بهاجس العدالة التي رسم لها في ذهنه صورة قد يعجز هو نفسه عن جمع كلّ خطوطها وألوانها.... هذا القاضي لا يزال حتى اليوم يطرح السؤال الجوهري: ما هي العدالة؟ ومن أيّ عالم تأتي ومن أيّة شرانق تنسج نسيجها؟ وما حظوظها من المقاومة ومن اجتناب السقوط في الهاوية، طالما انّ المسألة تعلّقت، لدى طرحها الأوّل، بالقاضي ـ القاضي اللبناني خصوصاً ـ بين المناعة والرضوخ؟
قَبْلَ مقاربة هذه الشجون ـ مقاربة لا أكثر لأنّ بعضها يتوالد من بعضها الآخر، من دون أن يبلغ مراتب الحسم ـ أسجّل هذا الاستدراك لأقول إنّ الشجاعة المفرطة قد تُسيء أحياناً الى الأمانة والدقة. وإنني، بعد تراكم الخبرات القضائية والاجتماعية في مساري وفي العالم الذي انتميت اليه، صرتُ على يقين بأنّ كلّ تعميم ينطوي على مقدارٍ من الخطأ ويُسيء الى موضوعية صاحبه، والى المعنيين بالموضوع المطروح. لذلك، وعلى أنّ في ما انتهيت اليه جزءاً من الحق، فقد يكون فيه جزء من التَعدّي على الحق، وعلى أصحابه.
ومهما يكن الأمر، فللعدالة مفاهيم تصدّر بعضها أعلى سلّم القيم، ومثالُها ما جاء في القرآن الكريم: «... وإذ قُلتُمْ فاعدِلوا ولو كانَ ذا قُربى» (الأنعام -152)، وفي شرائع السماء على العموم. ولها مُنظّروها من الفلاسفة والمفكّرين، وأحياناً الشعراء.فهي، خارجاً عن القوة، تكون عاجزة، والقوة خارجاً عنها تكون ظالمة ... كما جاء في قولةٍ شهيرة لباسكال. وأَعْدَلُ ما في الحياة الحُبّ برأي الشاعر بول أليوار P.Eluard الذي اعتبر أنّ «ضفافَ الحبّ هي ضفاف العدالة».
وثمّة مسألة أكثر تعقيداً طُِرحت منذ ساحقِ الأزمان، ولا تزال شِعابُها تتجدّد وتتوالد، هي علاقة العدالة بالقانون. فهل القانون هو وجه العدالة المشوّه كما قال جورج كورتالين G.Courteline (فرنسا ـ أوائل القرن العشرين)؟ وهل القانون، في نهاية المطاف، هو أداة العدالة المُثلى؟ وهلّ كلّ ما حَصَّلناه من مواسم قانونيّة، من شأنِهِ تقوية المناعة والمجابهة لدى القاضي، أم أنه يُسهم في توسيع دائرة الرضوخ حيثُ تُصاغُ نصوص قانونية على مَقاس أشخاص أو يُفسَّر بعضها الآخر على مقاس آخرين؟
(6/8/2011)