كتاب " باسم الشعب ... وللشعب " ، تأليف غالب غانم ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب باسم الشعب ... وللشعب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
باسم الشعب ... وللشعب
واسئلةٌ من ألوانٍ أخرى مُتباينة انهمرتْ عليّ، في صدارتها: هل القضاءُ وسيلةٌ أم غاية، أم الصورتان معاً... وهل آتي اليه لأنّ والدتي كانت تحدّثني عن هيبة القاضي وتُصنّفُهُ في أعالي اللوحةِ الاجتماعية المتعدّدة المواقع والأنسجة. ولأنَّ أبناء الأرياف، وانا منهم، يخصّون القاضي بإجلال لا تحظى به عادةً إلّا فئاتٌ قليلةٌ مختارة؟ وفي صدارةِ الأسئلة ايضاً، وهي هذه المرّة من النوع الشائك الداخل في صميم الموضوع، بل في صميم المشكِلة القضائية على إطلاقها: هل انّ القضاء مِتعةٌ أم مشقَّة؟ رخاءٌ وارتخاء أم تهيُّؤٌ مستديم لاتخاذ موقف ولِتَحمُّل الأصعبِ من المسؤوليات؟ وهل هو عطاءٌ حتى التفاني أم أخذٌ حتى تجاوز الخطوط، بأحمرها «وأصفَرِها وأخضرِها»؟ وَلْنَقُل اكثر: هل يأتي القاضي الى هذا المحراب لبلسمَةِ جراحِ النّاس الطيّبين، وللانتصار لصاحب الحق، ضعيفاً كان أو قويّاً... على ألّا يَنسى انّ اليتامي والأيامى والمظلومين وأبناء السّبيل والمكسورة شوكتهم والمأكول زادُهُم والمغلوبة إرادتهم والممتهنَة كراماتهم من قِبل أصحاب النَّهم والغطرسة والاستكبار، هم دائماً الأضعف والأجدر بالحماية!... أم أنّه يأتي للسَّعيِ الى صدارة أو ليستظلَّ قامةَ متصدّرين وليرضي ذوي نفوذ، سمّهم ما شئت... سياسيين كانوا أم غير سياسيين؟
ومن الأسئلة التي كانت ملحّةً ولا تزال: هل القضاء سلطة أم فرعٌ لسلطة ؟ وهل كلُّ ما يُقالُ عن استقلاله وتميّزه وحرّيته وميدانه الخاص ومسارح فرسه الجموح هو أضغاثُ أحلام، وأوهام، أم أمانٍ وأحلام قابلة للتصديق والتحقيق؟
وكنتُ آنذاك، يومَ قَرَّ قراري على خوضِ غمراتِ القضاء، أتذكّر أنّي ابنُ ثقافاتٍ بَنَت للقضاء عِماراتِهِ العالية، ورسّخَت مبادئه الصخريّة والدهريّة، أي تلك التي لا يصحّ تجاوزها، ولا تزعزعها شكوكٌ وأرياح، وأزمنةٌ تقضي بسهولةٍ على الهشّ والمتهافِت. من هذه الثقافات الراسخة التي هي موضِعُ اعتزازي، الإرث الذي آل الينا عن الأسلاف العرب، وعن أئمّة المسلمين، وهو حافلٌ بأماثيلَ قضائية استحالت مدرسةً في ميدانها. فمن عَهدِ الخليفة عُمر حيث يقول لواليه:« آسِ بين الناس في وجهكَ وعدلكَ ومجلسك حتى لا يطمَحَ شريفٌ في حيفك ولا ييأسَ ضعيفٌ من عدلك..» الى عهدِ الإمام علي وفيه يقول لواليه: «ثم اخْتَر للحكم بين النّاس أفضَلَ رعيّتك في نفسك ممّن لا تضيقُ به الأمور... ولا يكتفي بأدنى فهمٍ دون اقصاه... وأَصْرمَهُمْ عند اتّضاح الحكم، ممّن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميلُهُ إغراء...».