You are here

قراءة كتاب أزمة النخب العربية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أزمة النخب العربية

أزمة النخب العربية

كتاب " أزمة النخب العربية " ، تأليف د. حسن مسكين ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

ولسنا هنا بصدد إنكار وجود محاولات هامة وتصورات بناءة لثلة من الأقلام المتنورة التي آمنت بإمكانية التغيير. غير أنه من العسير جداً أن تجد هذه المبادرات الخيرة لثلة من المثقفين الشرفاء داخل بلداننا العربية تنفيذها في ظل هذا المناخ السياسي والاقتصادي البائس، الذي تزكيه وترسخه العديد من الأقلام الانتهازية وأنصاف المثقفين الناصبين أعينهم على المواقع والمناصب، متجاهلين دورهم في التنوير والتثقيف ونشر الوعي الكفيل بإنقاذ الأمة من انهيار كاسح، وتنميط اتسعت دائرته لتشمل السياسة والاقتصاد والمجتمع، ليصبح كل ذلك يجسد لثقافة تنمية التخلف والانكفاء على بقايا الماضي، ودراسة أمجاده، دون أدنى صحوة، أو بادرة، تشارك فيها جميع القوى، نحو تأسيس ثقافة التحدي، والقطع مع قوى الرجعية في شتى المجالات، وإن اتخذت لها أقنعة أو ألواناً تخفي مقاصدها، وتواري خلفياتها تحت مظاهر خداعة، أو أسماء براقة، أثبتت التجارب فشلها، وأعطت براهين ودلائل على أنها تساهم في تعطيل أي جهد أو محاولة للتحرر من أغلال التخلف التي أحكمت زمامها أياد أنانية، تستنزف خيرات البلاد، وتمتص دماء العباد، دون اكتراث بالقيم، التي هي الأساس في البناء والنماء.

لن ننكر الإيجابيات الهائلة التي يمكن أن تجنيها الثقافة العربية من العولمة إذا هي أحسنت التعامل معها، وتوظيفها على أكمل وجه، ولكننا فقط ننبه إلى ضرورة توفير شروط هذا التوظيف المنتج والخلاق خدمة لمشاريعنا التنموية التي نأمل أن لا تحصر اهتماماًتها في نقل التجارب الخارجية فقط، أو استعارة نتائجها للاستهلاك، بل العمل على إنتاج ثقافة تشرك كافة الأطراف، وتحرك فيهم حب العمل والإبداع الخلاق الذي تعود نتائجه على الأمة كافة، ويعم خيره الناس جميعاً، بحيث تذوب كل الفوارق المصنوعة والعنصريات التي انتشرت في العديد من منابرنا العربية والإسلامية بدعـوى المحليـة أو الجهوية أو النخبوية أو القبلية، لأن الإنسان العربي هو الذي يبني مجتمعه، وهو الذي عليه أن يجني ثمار هذا البناء، ويعمل جاهداً على أن يكون الضامن لاستمراره وتنميته وتطويره في ظل تحديات عصر العولمة، وهذا لن يكون إلا إذا تم الوعي بشروط هذه التحديات، وتحديد الإمكانات الكفيلة ببلوغ هذه الغايات، مع التأكيد على الرؤية الشمولية غير التجزيئية أو التبسيطية، التي تستعير الحلول الجاهزة وتقلد التجارب المستوردة التي تعتبر الآن إحدى الأسباب الرئيسة في تنمية تخلفنا، وتثبيت نتائجه الوخيمة البادية في شتى المجالات.

ثمة إشارة بالغة الأهمية لابد من توضيحها وهي المتعلقة بالتقارير التي تصدر عن الأمم المتحدة وروافدها، ذلك أنه كثيراً ما يتم التشكيك في مضمون هذه التقارير بدعوى أنها تخدم جهات محددة، ولا تتسم بالحياد المطلوب الذي من شأنه إظهار الحقائق الرامية إلى تشريح هذه المجتمعات العربية، وإبراز جوانب الضعف والإيجاب فيها. وأستطيع القول هنا بالذات إنه في ظل نذرة وجود تقارير عربية موضوعية عن الأوضاع في هذه البلدان، فإنه يصعب تجاهل هذه التقارير العالمية بغض النظر عن محتواها، وما تتضمنه من استنتاجات وأرقام وإحصائيات دالة على الوضع المتخلف لبلداننا العربية.

غير أنه يجب التنويه كذلك بالمحاولات الجريئة التي أقدم عليها المغرب من خلال إصداره لتقريرين هامين، ولأول مرة: الأول يهم هيأة الإنصاف والمصالحة والثاني يهم التنمية البشرية. وقد أشرف على هذين التقريرين وعلى خلاف السابق مثقفون وباحثون أكاديميون من مختلف التخصصات انتهوا فيه إلى نتائج دقيقة، تتسم بقدر ملحوظ من الحياد والموضوعية في شتى مجالات موضوع التقرير، أبرزها أن المغرب في مفترق الطرق لا خيار له في ظل التحولات العالمية المتسارعة إلا الانخراط في التنمية الشاملة. وهكذا يجب أن نستخلص من هذين التقريرين الصادرين([3]) عن مثقفين وباحثين وفاعلين في المجتمع المدني العبر حول العلاقة التي يجب أن تميز النخبة المثقفة بالسلطة، بحيث يتم التخلي عن أن يظل المثقف خاضعاً وتابعاً لها، ليصبح فاعلاً أساسياً، وموجهاً رئيسياً لبرامج وسياسات الدولة، من خلال النصح والتوجيه والإرشاد والتخطيط والنقد البناء وقول الصراحة التامة والجريئة بتشريح الأوضاع كما هي وتقديم البدائل التي تسمح بالتنمية، وبذلك تتحول هذه العلاقة بين المثقفين والسلطة من علاقة عداء وانفصال إلى علاقة تكامل وتواصل فعال، يخدم الشرائح الاجتماعية العريضة التي عليها أن تحول هذه المكاسب الجديدة إلى استثمار ثقافي وفكري وسياسي واقتصادي يساهم في تنميتها المنشودة، وذلك بأن تنخرط هي الأخرى بالعمل والمشاركة المنتجة دون انتظارية أو تأخر قد يكرس وضعها المتدني في عالم لا يعترف إلا بالإنتاج والعطاء الدائم والمستمر في شتى مناحي الحياة.

Pages