You are here

قراءة كتاب الهجاء عند جرير والفرزدق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الهجاء عند جرير والفرزدق

الهجاء عند جرير والفرزدق

كتاب " الهجاء عند جرير والفرزدق " ، تأليف د. خالد يوسف ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

على كلّ حال، إنّ معاني المادّة تدور حول الإقذاع والبشاعة والنّكال وكشف العيوب والإزدراء والسّخرية... والكلمة مطّاطة تحتمل الزّيادة، ولا مانع من اتسّاع مدلولها بحيث يشمل المعاني القريبة، إذ ينبغي لها أن تتطوّر مع تطوّر الفنون الأدبية الأخرى حسب مقتضى الحال.

على العموم، الهجاء - بشقيه المادّي والمعنويّ – هو أدب غنائي يصوّر عاطفة الغضب والإستهزاء والإحتقار... سواء أكان موضوع العاطفة الفرد، أم الجماعة، أم الأخلاق والمذاهب... له وقع رهيب في النّفوس، ودبيب تخافه الأفئدة وتهابه... لإرتباطه بالسّحر.

فقديماًَ كانت العرب تزعم أن لكلّ شاعر رئيّاً من الجنّ. وهذا الزّعم بيّن واضح في قصصهم، وفي شعرهم، وفي خطاب القرآن عند تسفيه مزاعمهم، وفي أكثر من آية.

هجا جرير الرّاعي وابنه بقصيدة، جاء فيها قوله:

فغضّ الطّرف إنّك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلابا

فيرحل الرّاعي النّميري وابنه، حتىّ إذا وصلا إلى قومهما، وجدا الشّعر قد سبقهما إليهم، فيقسم الرّاعي ما بلّغها إنس، وإن لجرير أشياعاً من الجنّ، ويتشاءم قومه به وبابنه(3).

ويخرج جرير والفرزدق – يوما – مرتدفين على ناقة إلى هشام بن عبد الملك الأموي، وهو يومئذ بالرّصافة، فنزل جرير لقضاء حاجته، فجعلت النّاقة تتلفّت، فضربها الفرزدق وقال:

إلام تــلَفَّتين وأنـت تحــتي وخير النّــاس كلِّهُمُ أمـامي

متى تردي الرُّصافة تستريحي من التّهجير والدَّبَر الدّوامي

ثمّ قال: الآن – يجيئني جرير فأنشده هذين البيتين فيقول:

تلَفَّتُ أنّها تحت ابــن قين إلى الكيرين والفاس الكهام

متى ترد الرّصافة تَخْزَفيها كخزيك في المواسم كلّ عام

قال: فجاء جرير والفرزدق يضحك، فقال ما يضحك يا أبا فراس؟ فأنشده البيتين الأوّلين، فأنشده جرير البيتين الآخرين، فقال الفرزدق: والله لقد قلت هذا، فقال جرير: أما علمت أنّ شيطاننا واحد؟(4).

وفي القرآن الكريم آيات بيّنات، وذكر ليس بالقليل للشّعراء وسحرهم، ولخساسة شياطينهم، من ذلك على سبيل التّمثيل لا الحصر، قوله تعالى، على لسان فرعون حين ألقى موسى عصاه، قال للملأ حوله: (إنّ هذا لساحر عليم)(5).

وخاطب الله تعالى متّهمي النبيّ محمّد بأنّه شاعر ولشيطانه تأثير في النّفوس خاطبهم بقوله: (هل أنبئكم على من تنزّل الشّياطين والشّعراء يتبعهم الغاوون)(6).

بالإجمال، إنّ الجنّ والشّياطين وما حيك حولها من قصص، وما نظم فيها من شعر، وما أنزل فيها من آيات بيّنات... لهي دليل على ما للشّاعر من هيبة بالغة الأثر، ومكانة عالية عند عموم النّاس وعلى مرّ العصور، أجاهلّية كانت أم إسلاميّة. فهذا جرير يفتخر ويعتزّ أيّام يدعونه أو يشبّهونه بالشّيطان فيقول:

أيّام يدعونني الشيطان من غزل

وهنّ يهوينني، إذ كنت شيطانا(7)

Pages