كتاب " فتنة وحشمة " ، تأليف د. سامر سقا أميني ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب فتنة وحشمة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فتنة وحشمة
جريدة الصباح
كان سمير جالساً مع أمه في غرفة الجلوس في صباح أحد الأيام وهو يطالع جريدة الصباح. هذه العادة اكتسبها سمير من والده المرحوم الذي كان يبدأ صباحه بتدخين "سيجارة" مع احتساء فنجان من القهوة، وخلال ذلك يطالع جريدة الصباح.
وكان أبو سمير حريصاً في جلسته تلك أن تكون زوجته إلى جانبه حتى يسرد لها أهم الأخبار التي يطالعها في الجريدة.
رحل الأب إلى رحمة ربه، وجلس مكانه ابنه البكر سمير، وأعاد المشهد لكن دون "سيجارة" لأن رؤيته لمعاناة أبيه طوال حياته من السعال والبلغم، ثم نهايته المؤلمة بسرطان الرئة، جعلت سمير يكره التبغ بكل أشكاله.
في هذا اليوم، كتب في الجريدة مقال طويل عن المحجبات، وكان سمير كلما قرأ فقرة اختصرها لأمه حتى وصل إلى سؤال الصحفي للبنات اللواتي قابلهن: هل يمكن أن تنـزعي حجابك إذا ذهبت إلى صالون حلاقة صاحبه رجل؟
أجابت أم سمير بكل عفوية: طبعاً لا.
ابتسم سمير وقال لأمه: حبيبتي ماما السؤال ليس لك بل للبنات موضوع المقابلة.
أجابت الأم: ولكن هذا ليس بسؤال، فالجواب بدهي إذ لا يمكن لبنت محجبة أن تنـزع حجابها أمام حلاق رجل، فالبلد فيها- بحمد الله- أعداد كبيرة من الحلاقات، وهن صاحبات خبرة ويقدمن جميع الخدمات اللازمة.
ثم هل نـزع الحجاب أمام الحلاق هي ضرورة حتى يتسامح الشرع معها؟
قال سمير: ماما طولي بالك، المقابلة ليست معك، فاسمعي جواب البنات صاحبات المقابلة.
قرأ سمير بسرعة المقال الطويل، ثم نظر إلى أمه وقال: والله ياماما قد تتعجبين من أجوبة البنات، فهناك قسم منهن يوافقك في الرأي ويعتبرن الأمر غير جائز، ولاتجدن أية رخصة تبيح لهن نـزع الحجاب أمام الحلاق.
ولكن هناك قسم آخر من البنات اعتبر أن الحلاق الرجل هو صاحب نظرة جمالية مختلفة عن الأنثى، فهو بحكم ذكوريته يدرك مواقع الجمال في الأنثى، فيكون عمله مناسباً لها أكثر. وهؤلاء صاحبات الرأي الثاني يسمحن لأنفسهن في المناسبات الهامة بنـزع الحجاب أمام الحلاقين الذكور، إذ يعتبرن الأمر بمثابة الضرورة كما هو الحال عند الطبيب.
ارتعدت أم سمير من هذا الجواب، وقالت: "سبحان الله، أصبحت البنات من الجرأة بحيث يصدرن فتاوى لأنفسهن، وأصبحن يرين من نظر الرجال إليهن بشهوة معياراً لنجاح تسريحة الشعر... يابني إن الحجاب هو التزام، وهؤلاء البنات لايرين في الحجاب إلاّ قطعة قماش يزين بها رؤوسهن.
الحجاب هو التاج الذي تضعه الملكة لتعلن التزامها بمبادئ معينة، وليكون شاهداً على خيارها أنها ارتضت الله رباً والإسلام ديناً ومحمداً رسولاً.
أما اللواتي دفعتهن العاطفة في مجلس ما، أو بعد حادثة معينة إلى وضع الحجاب دون امتلاك ذاك الأساس من العقيدة المتينة في أعماق صدورهن فإنهن يسارعن إلى نـزعه عند أول فرصة، ولأقل عذر.
استسهلت بعض السيدات نـزع الحجاب بعد فترة من وضعه بسبب ضعف إيمانهن الذي خسر المعركة أمام شهوات الدنيا وإغراءاتها.
ومما زاد الطين بلة هو ذاك الدور الذي لعبته الفنانات (المسميات بالتائبات) في تسهيلهن للتلاعب بالحجاب، فقد ظهرن في أشكال من الحجاب لا تتناسب مع وقار الالتزام، وهاهي إحداهن تقدم مسلسلاً بشعر مستعار حتى لا تظهر بحجابها في المسلسل.
يا بني إن البنت المحجبة عن عقيدة يرتبط حجابها بوجودها، فمن أراد أن ينـزع لها حجابها فليعلم أنه بمثابة نـزعه لروحها، وهي مستعدة للتنازل عن حياتها مقابل المحافظة على حجابها.
وأنت لا تزال تذكر خالتك التي كان زوجها الجبار ينـزع لها حجابها أمام أصدقاء العائلة في سهراتهم، وهو يضحك تلك الضحكة المستهزئة الرنانة، فكانت دموعها تنهمر أمام الناس، وكانت عند عودتها إلى بيتها تقضي ليلها باكية مستغفرة لله رب العزة".
أغلق سمير الجريدة، واستعد للذهاب إلى عمله.
لقد كانت جلسة اليوم دسمة، حتى أنها أخرته عن موعد انطلاقه إلى العمل.