You are here

قراءة كتاب الصدأ

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الصدأ

الصدأ

تجمع الكاتبة العراقية الكردية ليلى جراغي في روايتها "الصدأ"، مكوّنات تتيح لها مقاربة مفهوم الهوية المتشظية كمقدمة لإرساء السلام الداخلي ووحدة الذات المتعددة، من خلال سبعة مشاهد تستعرض فيها الشخصيات مخاوفها وأحقادها المتراكمة وكيفية تسلسل استيطانها، عبر خيار

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
ـ سأحاول من جديد . وإن لم يرد عليّ أحد .. كيف سأتصرف ؟ هل أتصل بالشرطة ؟
 
ـ لا.. لا تفعلي أكثر مما طلبته منكِ ... وألف شكر لك يا ست حسيبة ..... أتمنى أن أراكِ هذه المرة . فقد تمنيت كثيراً رؤيتك من قبل، ولكن للأسف الشديد كانت الظروف دائماً تحول دون لقائنا.
 
ـ والله العظيم يا أم جمال أنا الأخرى تمنيت رؤيتك، لكثرة ما كانت نهال تحدثني عن طيبتك وكرم أ خلاقك، وعن تعاطفك الشديد مع ظروفي، رغم أنك لا تعرفيني عن قرب، فكنت ولا زلت أدعو لكي بالخير والعافية ليل نهار، وأتمنى على الدوام أن أحظى بشرف لقائكِ ولكنك صرتِ مثل هلال العيد تغيبين عن زيارة أبنتك نهال طويلاً، وعندما تظهرين تختفين سريعاً، وقد أكون حينها مسافرة أو مشغولة بمصائب الدنيا التي ما تنفك تتراكم على رأسي، المهم ، إن الله في عون الجميع . سأتركك في أمان الله كي أذهب للاطمئنان على أبنتك لعل الحظ يحالفني هذه المرة فأجدها بخير .
 
ـ أستحلفك بالله أن تكلميني حالما تتمكنين من رؤيتها .
 
ـ لا تحملي هم ، فقط حاولوا أن تتعجلوا بالمجيء إليها ، أستودعك الله .
 
ـ في آمان الله يا حسيبة ، في آمان الله .
 
باشرت نرجس الاتصال بابنتها نهال فور انتهاء الحديث بينهما، وأناملها لا تتوقف عن العبث بالأرقام وهي تعيد الكرة بين اللحظة والأخرى ، فقد كان هاتفي أبنتها نهال الأرضي وكذلك الجوال مغلقين، مما زادها يقين في كلام تلك المرأة حسيبة ، وبيد مرتعشة أعادت سماعة الهاتف إلى موضعها ، وبعينين غائمتين نظرت صوب زوجها سعيد الذي بدا لها في تلك اللحظة العصيبة وكأنه كتلة من اللحم الرخو، وهو غافً أمام كأسه وزجاجة خمره الشبه خالية، ألا من بقايا نبيذ داكن اللون ، فترددت قليلاً قبل أن توقظه خوفاً من أن يصدر عنه رد فعل معين ، مثلما كان يفعل معها دوماً حيث كان يثور أو يخفي رأسه كالنعامة في التراب كإجراء سهل للهروب من مواجهة المشاكل التي كان يستوجب عليه كرب أسرة التدخل لحلها.
 
تنهدت بعمق متعوذة من شر الشيطان، وقد استعصى عليها إيقاف نزيف أفكارها، وهي تتململ حائرة في وقفتها تفرك بقلق يديها بينما بصرها يدور بين وجه زوجها المسترخي الملامح والساعة المعلقة فوق جدار الصالة التي تجاوزت عقاربها الثانية عشرة ليلاً لتتوقف للحظات بلا وعي عند النافدة الكبيرة المطلة على الشارع الرئيسي وكأنها في انتظار شيء ما أقرب إلى معجزة، سيطل بلا ريب بين لحظة وأخرى من وراء الستائر المواربة حيث يمكنها أن تتخيله مع ارتعاش ضياء المصابيح وأشباح الليل، جميعهم يتراقصون بشذوذ تحت وطأة الرياح الشتوية وينقرون الزجاج بأصابع غير مرئية متخفين بين حبات المطر، فيثيرون بعبثهم خوفها فترتد بفزع نظراتها وتستقر بحذر عند هيئة زوجها وقلبها آخذ بالتأرجح بين الخوف والحب والكراهية، وذاكرتها آخذت في فتح أرشيفها القديم والجديد معاً لتستعرض بوضوح أجزاءًً مؤلمة من قسوتهما ومرارتهما، بينما عقلها الباطن يسارع في تجميع تلك المشاعر والصور المتنافرة ويحولها إلى حوار داخلي من أجل التفريغ فتهمس بينها وبين نفسها .... يا إلهي ، ما الذي جعل زوجي البائس هذا يتغير كل هذا التغيير، متحولاً مع الوقت والسنين من شخص عاشق محب طموح إلى كائن سكير معزول لا شغل له ولا مشغلة غير التسلية بتحطيم قلبي بعجزه وقلة حيلته وتقوقعه حول نفسه وكأنه صنم أصم أبكم بينما عيونه في السر تلومني وكأنه يريد بتلك الطريقة السخيفة أن يعاقبني . إيه ...

Pages