تجمع الكاتبة العراقية الكردية ليلى جراغي في روايتها "الصدأ"، مكوّنات تتيح لها مقاربة مفهوم الهوية المتشظية كمقدمة لإرساء السلام الداخلي ووحدة الذات المتعددة، من خلال سبعة مشاهد تستعرض فيها الشخصيات مخاوفها وأحقادها المتراكمة وكيفية تسلسل استيطانها، عبر خيار
You are here
قراءة كتاب الصدأ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
وقفت نرجس عند باب الصالة تشيعه بعينين غائمتين بالدموع ، بينما هو يدخل حجرته ويصفق الباب بقوة خلفه ، تاركاً إياها تستشيط حنقاً عليه ، بينما عقلها يتذبذب ما بين أن تستنجد بابنها الكبير جمال المتذمر دائماً، أو ابنها الثاني كمال الذي لا تعرف له في مثل هذا الوقت مكان، بينما الاحتقار والغضب وأشياء سلبية كثيرة كانت تعاني منها، تتزاحم داخل رأسها وتتحول إلى سيل من الهلوسة : يا إلهي أرفق بحال ابنتي السيئة الحظ نهال ، وأرفق بحالي أنا التعيسة الأخرى كي لا يصيبني شلل مفاجئ من جراء أفعال أولئك السخيفين . يقال عندي بدل الواحد ثلاث رجال ، من يراهم يحسدني عليهم ، هيئاتهم تشرح قلوب الناظرين إليهم ، أما قلبي فقد ماتت فيه الفرحة من جراء إعوجاج سلوكهم ، فذلك الجاحد القلب والضمير جمال قد تحول بين ليلة وضحاها من ولد يابس الرأس مشاكس إلى وصي على عباد الله بعد ما حفظ كالببغاء الكثير من الأحاديث والمآثر والمواعظ الدينية ليجعلها بمثابة رصيد مضمون يفرض من خلال ترديدها على مسامع الآخرين أهميته والدين براء منه . وكذلك الأرعن كمال فهو يعوم في بحر ملذاته لا يردعه شرف ولا دين ، أما نهال ومنال رغم أخطائهن الكثيرة فهن في كل الأحوال مجرد بنات ضعيفات لا حول لهن ولا قوة ، ووالدهم هذا الرجل الأحمق السكير هو وحده المسؤول عن سوء سلوكهم ، هو الذي بضعفه وتساهله أفسدهم ، إنه لا ينفع أن يكون زوج، ولا أب، أيه .... سامحني يا رب.
وبينما هي تحت ضغط مشاعرها المضطربة، وحيرتها، اندفعت بشكل عفوي نحو حجرة ابنتها الصغرى منال فوجدتها نصف راقدة والهاتف الخلوي في يدها ، وقد ألقى المصباح المجاور لسريرها الضوء على ملامحها ففضح اللمعان في عينيها والاحمرار في وجنتيها ، وقبل إن تنطق والدتها بشيء أخفت منال بلمح البصر الهاتف تحت مخدتها وهمست بطريقة ساخرة لتداري حرجها وراء سخريتها :
ـ كالعادة . مشكلة جديدة .. أليس كذلك ؟
رمقتها نرجس بشك ولوم ، ثم أجابتها بجفاء وهي تتحامل على نفسها لتكتم عنها غيظها:
ـ كنت أعتقد بأنك في مثل هذا الوقت تغطين في النوم ، غداً لديك دروس ، لا أحد فيكم يفرح القلب ، كلكم هم، وغم ، أختك في مصيبة ، جارتها حسيبة تقول بأنها حاولت طرق بابها عدة مرات ولكن .....