قراءة كتاب نعم تستطيع ! المسؤولية الاجتماعية والتغيير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نعم تستطيع ! المسؤولية الاجتماعية والتغيير

نعم تستطيع ! المسؤولية الاجتماعية والتغيير

كتاب " نعم تستطيع ! المسؤولية الاجتماعية والتغيير " ، تأليف د. أوسم وصفي ، والذي صدر عن دار أوفير للطباعة والنشر .

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

ضَبْطُ الاتِّزان

أدَّتِ النهضةُ الروحيَّةُ إلى خَلْقِ ضَميرٍ اجتماعيٍّ جديدٍ أدَّى بِدَوره إلى مواجَهةٍ حقيقيَّةٍ لكلِّ الشرور التي كانَتْ سائدةً في المجتمع آنذاك.

لا نستطيعُ أن نقولَ إنَّ الكنيسةَ في العالَم قدِ استَطاعَتْ في أيِّ عصرٍ من عصورِها أن تَضبِطَ الاتِّزانَ ما بين جوانبِ الإنجيل الثلاثة، إلَّا في فتراتٍ محدودةٍ هي التي يُسمِّيها تاريخُ الكنيسة ‘‘النهضات الروحيَّة’’، وخِلافُ ذلك، فقد كانتِ الكنيسةُ تهتمُّ دَومًا بجانبٍ دون الجوانب الأخرى. وبِسبَبِ إهمالِ الكنيسة للجَوانب الأخرى، كان تأثيرُها حتَّى في الجانب الذي اهتمَّتْ به يفسدُ ويبتعدُ عن روح الإنجيل. وبعد القرن الثالث الميلاديّ، اهتمَّتِ الكنيسةُ بالحكم وارتبطَتْ بالمُلك، ففسدَتِ الكنيسة وفسدَ الحكمُ معًا في العصور الوُسطى. ثُمَّ اهتمَّتْ بالإصلاح الدينيِّ والعودةِ إلى الكتاب المقدَّس، ثُمَّ سرعانَ ما اختَلَطَ الدِّين بالسياسة، وبدأت ‘‘حربُ الأعوام الثلاثين’’، وهي سلسلةُ صراعاتٍ دامية مزَّقَتْ أوروبا بين عامَي 1618 و1648م. وقدِ اندلعَتْ هذه الحربُ بدايةَ الأمر لتُمثِّلَ صراعًا دينيًّا بين الكاثوليك والبروتُستانت، وانتهَتِ لتكونَ صراعًا سياسيًّا من أجل السيطرة على دُوَلِ أوروبا الأخرى.

أمَّا في القرن الثامن عشر، فعندما ظهرَتِ النهضاتُ الإنجيليَّة المتعدِّدة، رافَقَ هذا اهتمامٌ رائعٌ بالأبعاد الاجتماعيَّة والسياسيَّة للحياة الإنسانيَّة، مع اهتمام أيضًا بالجانب الشخصيِّ (الإنجيل في المنتصف) في صورةِ حركاتٍ تَقَوِيَّةٍ عظيمة. لقد أدَّتْ هذه ‘‘الثوراتُ الروحيَّة’’- المعروفةِ بالنَّهضات- إلى خَلْقِ ضميرٍ اجتماعيٍّ جديدٍ أدَّى إلى مواجَهةٍ حقيقيَّةٍ لكلِّ الشرور التي كانَتْ سائدةً في المجتمع آنذاك. فمثلًا، كانَتِ النهضةُ الروحيَّةُ التي قادَها جون وسلي في إنكلترا ذاتَ أثرٍ كبيرٍ في حركةِ تحريرِ العبيد. ففي عام 1791م، وقبل وفاته بثلاثة أيَّام، كتبَ وسلي رسالةً إلى وليَم ولبرفورس، أحدِ أعضاء مجلس العموم البريطانيِّ والذي كان يقودُ في ذلك الوقت حركةَ إصلاحٍ اجتماعيٍّ بدأتْ في قريةٍ إلى الجنوبِ من لندن اسمها ‘‘كلابهام’’. في هذه الرسالة أكَّدَ وسلي لويلبرفورس أنَّ الله قدِ اختاره ليُحقِّقَ مشروعَه العظيم، وحثَّه على عدم الفَشَل في عملِ الخير. ويُنسَبُ إلى هذه الطائفة التي تزعَّمها ولبرفورس أنَّها قامَتْ بمجهودٍ سياسيٍّ وبرلمانيٍّ كبير على مدى أكثر من أربعين سنة انتهَتْ بتَحرير العبيد تمامًا في عام 1833م.[5]

وفي أميركا الشماليَّة أيضًا، تميَّزَتِ النهضةُ الروحيَّة التي قادَها تشارلز فيني باهتمامٍ كبيرٍ بالنَّواحي الاجتماعيَّة، وقد كان فيني مُقتنِعًا بأنَّ الإنجيلَ يُثيرُ حافزًا قويًّا للإصلاح الاجتماعيّ، وأنَّ إهمالَ الكنيسة للإصلاح الاجتماعيِّ أحزنَ الروحَ القدس، وأعاقَ النهضةَ الروحيَّة. وفي إحدى محاضراته قال فيني: ‘‘إنَّ أعظمَ عملٍ للكنيسة هو إصلاحُ العالَم. لقد قُصِدَ للكنيسة أصلًا أن تكونَ جسدًا من المصلِحين. وقد أضافَ أنَّ مجرَّدَ الاعتراف بالمسيحيَّة يَقتَضي على نحوٍ ضمنيّ، اعترافًا- بل تعهُّدًا أيضاً- بأنْ يبذِلَ المرءُ قصارى جَهده من أجل الإصلاح الشامل في العالَم’’.[6]

هكذا نرى أنَّ الوعيَ الاجتماعيّ، والالتزامَ تُجاهَ الإصلاح الاجتماعيِّ على أيِّ مستوى وبأيَّة صورة، هو أحدُ التَّعبيرات الأساسيَّة للإيمان المسيحيّ. والثَّمرُ الذي يدلُّ على أنَّ بذرةَ الإنجيل قد وقعَتْ على أرضٍ طيِّبة وأثمرَتْ، ليس فقط ثَمَرَ حياةٍ أبديَّةٍ في السماء وحياةٍ أخلاقيَّةٍ متغيِّرة على الأرض، بل هو أيضًا ثمرُ وعيٍ والتزامٍ ومسؤوليَّةٍ تُجاهَ تغييرِ هذا العالَم. فمَنْ سيَملكُ مع الله إلى الأبد، لا بدَّ أن يبدأ في التَّدرُّبِ هنا ليَعمَلَ مع الله من أجل عالَمٍ أفضل.

Pages