قراءة كتاب نعم تستطيع ! المسؤولية الاجتماعية والتغيير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نعم تستطيع ! المسؤولية الاجتماعية والتغيير

نعم تستطيع ! المسؤولية الاجتماعية والتغيير

كتاب " نعم تستطيع ! المسؤولية الاجتماعية والتغيير " ، تأليف د. أوسم وصفي ، والذي صدر عن دار أوفير للطباعة والنشر .

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

الفصل الثالث
العزلةُ ليسَتْ خِيارًا
المتشفِّعُ ليس فقط مَن يَقضي اللَّيلَ كلَّه في الصلاة، بل هو أيضًا مَن يعيشُ عند نقطةِ التقاءٍ حيويَّةٍ بين الله والناس.
إنَّ تلاميذَ السيِّد المسيح الذين تعلَّموا على نحوٍ فرديٍّ وجماعيٍّ أن يعيشوا ويعمَلوا مع الربّ، يُمثِّلون في هذا العالَم نقطةَ التقاءٍ بين السماء والأرض، مثل السُّلَّم الذي رآه يعقوبُ في الحُلُم حيثُ كانتِ الملائكةُ صاعدةً ونازلةً عليه[7]. فالمتشفِّعُ ليس فقط مَن يَقضي اللَّيلَ كلَّه في الصلاة، بل هو أيضًا مَن يعيشُ عند نقطةِ التقاءٍ حيويَّةٍ بين الله والناس. وبصفته وكيلًا معتَمَدًا لملكوت الله على الأرض، فإنَّه يشعرُ بِما يحدُثُ على الأرض ويَفهمُه ويقدِّمُه إلى الله، ومن ثَمَّ يشعُرُ بمشيئة الله من أجل الأرض والبشر، وبعدَ هذا يَعيشُها ويُعلِنُها في وسطهم. إنَّ المتشفِّعَ يحدِّثُ الله بشؤون البشر، كما يحدِّثُ البشرَ بشؤون الله، وعندما لا يستطيعُ أن يتحدَّثَ لسببٍ أو لآخر، فإنَّه يعيشُ أمامَهم كمَن يستخدِمُ لغةَ الإشارة أو اللغة التمثيليَّة لتَوصيل مفهومٍ ما لبَشرٍ لا يَفهَمون لغتَه.
أتذكَّرُ كيف كنَّا في كنيستنا المحلِّيَّة نصلِّي من أجل كلِّ شؤون بلادنا: فمن الشأن الاقتصاديِّ وإلى الشأن السياسيّ، ومن مكافحة الفساد إلى حرِّيَّة الاعتقاد والتَّعبير. وقد صلَّينا أيضًا من أجل الفُقَراء والمظلومين، ومن أجل المرضى الذين يعانون أمراضًا مُزمنةً ومتوطِّنة، وصلَّينا كذلك من أجل المدمنين والمثليِّين ومن أجل المصابين بالإيدز. ولم ننسَ الصلاة من أجل المرأةِ واحترامِها، والأطفالِ وحقِّهم في الحياةِ والكرامة. وبعد سنين طويلة من الصلاة حدثت الثَّورة[8]، وبدأنا الآن نرى نتائج تغيِّرُ وجهَ الأرض في بلادنا وتكشِفُ الفسادَ وتخلَعُ عنِ الأمَّة ثَوبَ السلبيَّة واليأس- لَم يُدرِكِ الكثيرونُ ممَّن كانوا يُصَلُّون بلَجاجةٍ أنَّ التغييرَ قد يحدُثُ بهذه السرعة وبهذه الصورة، حتَّى إنَّ الخوفَ والتَّشكُّكَ قد داخَلانا بِدَرجاتٍ مُتَفاوِتة، فلَم يرحِّبْ بالثورة إلَّا نسبةٌ ضئيلةٌ جدًّا من المسيحيِّين. بل إنَّ الكنيسةَ وقفت موقف الحياد حيال الثورة. وأظنُّ شخصيًّا أنَّ هذا الموقفَ الذي عانَينا بسببه عائدٌ إلى ما يُسمِّيه جون ستوت بمصطلح ‘‘التَّشاؤميَّة المسيحيَّة’’، والتي ترجعُ، كما يقولُ في كتابه ‘‘المسيحيَّةُ والقضايا المعاصرة’’،[9] إلى أنَّه على الرُّغم من أنَّ الفكرَ المسيحيَّ يؤمن بالأحداثِ الكتابيَّة جميعِها- وهي الخَلْقُ والسقوطُ والفداءُ والاكتمال- فإنَّ المسيحيِّين التشاؤميِّين... يركِّزون اهتمامَهم على السقوط والفساد، أي أنَّ البشرَ غيرُ قابِلين للإصلاح، كما يركِّزون على الاكتمال، أي أنَّ السيِّدَ المسيحَ آتٍ ليُسوِّي الأمور، ويتخيَّلون أنَّ هاتَين الحقيقتَين تُبرِّران اليأسَ الاجتماعيّ. غير أنَّهم يتَغاضَونَ عن حقيقتَين لاهوتيَّتَين فاعلِتَين أيضًا في المشهد الإنسانيِّ وهما الخَلْق والفداء. فالصورةُ الإلهيَّةُ المطبوعةُ في الجنس البشريِّ لَم تُمحَ. ومع أنَّ البشرَ أشرارٌ، فإنَّهم يستطيعون أن يفَعَلوا الخَير. وقد لخَّص نيقولاي برادييف، اللَّاهوتي الروسيُّ الأرثوذكسيُّ الموقِفَ بكلماتٍ تَدعو إلى الإعجاب: ‘‘إنَّ طبيعةَ الإنسان الآثمة لا تَعني أنَّ الإصلاحاتِ الاجتماعيَّةَ والتَّحسيناتِ هي أمورٌ مستحيلة، بل تَعني فقط أنَّه لا يُمكِنُ أن يتحقَّقَ النظامُ الاجتماعيُّ الكامِلُ والمطلَقُ قبل تَغيير مَظهرِ العالَم’’.
 

Pages