You are here

قراءة كتاب الرفيقة وداد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الرفيقة وداد

الرفيقة وداد

رواية " الرفيقة وداد " ، تأليف عماد محمود الأمين ، والتي صدرت عن

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

هزَّ برهوم ساعده بقبضةٍ مشدودة، ورفع رجله اليمنى وخبطها على الأرض بقوّةٍ وقال بصوتٍ خافتٍ وهو يشدّ على أسنانه: «أجل، أنا أستحقُّ هذا!»، ونزلت ْ من عينه دمعةٌ مسحها بسرعةٍ مخافة أن تُرى، فلطالما ردّد والده على مسمعه أنَّ دمع الرّجال نادرٌ وثمين، ولكن، تبعتها دمعاتٌ أُخَر، فكيف يستطيع لجمها وهذه أوّل مرّة في حياته يشعر بهذا القدر من الفرح والزّهو؟ ها هو في سنِّ الثّماني عشرة، وقد كافح بجهدٍ لينجحَ في الامتحان الّذي سوف يسمح له بالحصول على الوظيفة، وبالتالي تقاضي راتبٍ شهريّ، يحلم به كلُّ شابّ. وسوف يستطيع بعدها تحقيق حلمه بالزّواج من حبيبته وداد، الّتي يواعدها بالنّظرات والغمزات منذ سنتيْن، وبالكاد استطاع الحصول على قبلةٍ مسروقة منها.

ناوله عمّه الورقة، ثمَّ قبّله على جبينه وقال له:

- مبروك يا برهوم!

فردَّ بصوتٍ خجولٍ مُطأطئاً رأسه:

- لقد كبرتُ يا عمّي، لم أعد صغيراً لتغنّجوني، نادوني منذ اليوم إبراهيم.

فاحتضنه عمّه من كتفه وسارا عائدَيْن إلى البيت، وخلفهما عددٌ من الرّجال القادمين للتّهنئة، وسط أصوات زغردة (1) النّساء العالية، الّتي يُسمعُ صداها من التّلال المقابلة.

سمع والد ابراهيم «الزّلغطة» تقترب من بيتهم، فوقف على عتبة الباب. وما إن أطلَّ الجمع حتّى اقترب من ابنه واحتضنه بفخرٍ ومحبّة؛ فالوالد كان من القلّة القليلة المتعلّمة في القرية، لا بل في المنطقة. ففي أيام طفولته، كانت القراءة والكتابة حكراً على الأغنياء، وكان تعليمه يخوّله أن يجدَ وظيفةً في الدّولة، ولكنّه آثر الاهتمام بأراضيه والبقاء في القرية.

لم يكن والد ابراهيم من المتعلّمين الميسورين الذين يتعالون على الناس، بل كان ودوداً حكيماً يحفظ الشّعر ويجيد نظمه. وكان يملك منزلاً فسيحاً، مكوّناً من دارٍ واسعةٍ وغرفتيْن للنّوم، متميّزاً عن أكثر بيوت القرية الشّبيهة بالأكواخ والمبنيِّ أكثرها من الطّين. وحين ترشّح كمختارٍ للقرية منذ نحو عشرين عاماً، فاز بالتّزكية، على الرّغم من أن عائلته ليست العائلة الأكبر في القرية. ومنذ ذلك الوقت، لم يجرؤ أيُّ وجيه عائلةٍ آخر على منافسته، حتّى إنَّ مناصريه أصبحوا يطلقون عليه لقب وجيه الوجهاء.

وعلى الرّغم من كونه كان ميسور الحال، فقد كان «المختار» يحرص حرصاً خاصّاً على أن لا يُشعرَ أولاده بأنّهم أفضل من بقيّة الأولاد في شيء. ولم يكن يهتمُّ لامتعاض زوجته التّي كانت تريد أن يلبسَ أولادها أفضل من أترابهم، وأن لايعملوا في الأرض كما يعمل غيرهم. وحين كانت تتجرّأ على التّلميح إلى الأمر أمامه من حينٍ إلى آخر، كان ينهرها مُوبّخاً، فالولد، بالنّسبة إليه يجب أن ينشأَ على العوَز، وأن يفهمَ منذ الصّغر معنى المساواة. وعندما كبُر ابراهيم وانخرط في صفوف الحزب الشّيوعيّ، تقبّل الوالد الأمر الغريب في حينه عند أهل القرية، بفكر المتنوّر العادل رغم إيمانه الفطريِّ الشّديد المتوارث في عائلته أباً عن جدّ.

في صباح اليوم التّالي، وبعد يوم قضاه مع أهله يستقبلون المهنئين، نهض ابراهيم والغبطة تغمره. فرك عينيْه بسرعة ثمَّ فتحهما ليتأكدَ من أنّه ليس في حلم، وأنَّ كابوسه قد مرَّ بسلام. وبسرعة البرق بدأ يحثُّ الخطى صاعداً التّلة باتّجاه شجرة البطم العملاقة، التي اعتادت أن تجمعَه بوداد، فوجدها على غير عادةٍ قد سبقته. وما إن رأته حتّى ركضت في اتّجاهه لتعطيَه القبلة التّي وعدته بها إن نجح، والتي حلم وحلمتْ بها طوال اللّيل، ولكنّها عندما أصبحت على بعد خطواتٍ منه، شعرتْ بالخجل فاكتفت بأن مدّت يدها مصافحة:

- مبروك يا برهوم.

Pages