You are here

قراءة كتاب الرفيقة وداد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الرفيقة وداد

الرفيقة وداد

رواية " الرفيقة وداد " ، تأليف عماد محمود الأمين ، والتي صدرت عن

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

اعتادت وداد أن لا يرجعَ زوجها إلى المنزل إلّا في أواخر اللّيل منهكاً تعباً، فلا ينتبه لوجودها إلّا عند حاجةٍ تتطلّبها نفسه، فينهرها على التأخّر في تحضير وجبته، أو تسخين الماء ليستحمّ. وتدريجاً، أصبحت اللّقاءات بينهما تقتصر على العلاقة الجنسيّة، فقط حين يشعر هو بالرّغبة من حينٍ إلى آخر، فيأخذها، وهي نائمةٌ في أغلب الأحيان، ويفرغ فيها، أو عليها، مخزونه بسرعةٍ كأنّها دميةٌ مطّاطيّة، من دون أن يكترثَ إذا ما بلغت هي الذروة أم لا. وهي في الواقع لم تعرفها معه أبداً.

لم يكن ابراهيم حالةً خاصّة في تعاطيه الجنسيِّ مع زوجته، فكان مثَلهُ مثَلُ الكثير من الرّجال الشّرقيّين الّذين يغتصبون زوجاتهنَّ في ليلة الدّخلة ويأخذوهنَّ بالقوّة والعنف من دون أيِّ اعتبار لكونهنَّ كائناتٍ بشريّة، ولاحقاً، غالباً ما كان هذا الصّنف وغيرهُ من الرّجال يأخذ امرأته وهي نائمة، كمن يسرق منها شيئاً لا تريد منحه له، ربّما خوفاً من أن تضبطَه متلبّساً بالجريمة فتسأله عن حياته وتفتح ملفاتٍ سابقة.

هؤلاء النّساء كنّ يقضين حياتهنَّ في كبتٍ وحرمان، مغلوباتٍ على أمرهنَّ أو، أحياناً، جاهلاتٍ معتبراتٍ أنّه لا يحقُّ لهنَّ التّساؤل فيكتفين بما يُمارَسُ عليهنّ، ولكنَّ مخيلتهنَّ غالباً ما تستفيق، كبرعمٍ يتفتّح بعد طول انتظار، خصوصاً عند معرفتهنَّ بخيانة الزّوج، أو عندما تتجرّأ إحدى العارفات بمعنى لذّة الجنس على البوح بتلك المشاعر أمامهنّ، فتلجأنَ إلى الخيانة، إمّا عن سابق إصرارٍ وتصميمٍ ومعرفة، وإمّا بدافع الغريزة الجنسيّة.

بعد سنةٍ من الزّواج، انتقل ابراهيم وزوجته إلى منزلهما الجديد، المُحاط بشجيْراتٍ عديدةٍ زرعها والده بيده نصبةً نصبة. وبينما كان اليأس قد بدأ يستحوذ على وداد، وبدأت تستكشف الشّباب لاختيار الفحل الوسيم المتين ليقوم بالمَهمّة، شعرت بحمْلها، ولكنّها انتظرت شهريْن قبل أن تزفَّ الخبر، في البداية لأمّها، ثمَّ لزوجها، وأنجبت في كانون الثاني من العام 1957 طفلها الأوّل الذي سمّته نجماً. وجرياً على التّقليد في المجتمعات العربيّة، منذ اليوم الأوّل لولادة نجم، ولأنّه صبيّ، أصبح لابراهيم اسمٌ ثانٍ «أبو نجم»، وأصبح لوداد اسمٌ ثانٍ «أمُّ نجم».

وجاء الجيران والأقارب يهنّئون أبا نجم وهو يحاول إخفاء فخره وفرحه. فكم من رجلٍ انتظر طويلاً قبل أن يأتيَه المولود الذّكر، وتحمّل الذّلَّ والهوان، وصَبَرَ بألمٍ وخزيٍ على سماع النّاس يتابعون مناداته باسمه. وكم من طفلةٍ عانت اﻹهمال، لأنّها كانت المولودة الأولى، فكيف الحال إذا كانت المولودة الثّانيّة أو ما بعدها، وكم من امرأةٍ عانت الأمرّيْن وضُربت وأُهينت، من الزّوج وأهله وأقاربه لأنَّ أولادها الأوائل كانوا إناثاً، وكم تحمّلت نظرات الازدراء، الممزوجة أحياناً بالشّفقة، من بقيّة النّساء اللّواتي يهسهسن ويثرثرن: «هذه امرأةٌ لا تنجب إلّا إناثاً، ماذا ينتظر زوجها ليعيدَها إلى أهلها؟».

أمّا أبو نجم، فعلى الرّغم من سعادته بمولوده الأوّل، فإنّه لم يغيّر شيئاً في سلوكه. حتّى عندما ولدت بعد سنةٍ ونيِّف طفلتهما الأولى زينب، كان غائباً عن البيت في مَهمّةٍ حزبيّة، غير آبهٍ بصعوبات الولادة الّتي كانت تجري في حينه في المنازل بإشراف الولّادة أو ما يسمّونه «الدّاية» بالعاميّة، وهي امرأةٌ لم تتلقّ أي تعليم يخصُّ مهنتها، بل اكتسبتها بالخبرة في أغلب الأحيان.

وتدريجاً، بعد مرور وقتٍ قصيرٍ على ولادة زينب، أصبح أبو نجم عدائيّاً في كلامه وتصرّفاته مع وداد، وصولاً إلى الشّتائم والإهانات، وهو الرّجل المهذب مع النّاس إلى حدِّ المثاليّة. واكتشف، أو ربّما هُيِّئَ له، أنَّ السّبب الأوّل لإصراره على حبّها والزّواج منها كان إغاظة والدته الّتي لم تثق به يوماً، والّتي كانت دوماً تفضّل أخاه الأصغر المدلّل عندها، والّذي يشبهها بعجرفته.

كانت أمُّ نجم، بهدوئها وكرهها للشّجار، تتحمّل بصبرٍ وكبرياء. هي الفتاة العفويّة الّتي لاتستطيع عادةً إخفاء مشاعرها. ولكن ما عساها تفعل؟ هل تعود إلى بيت أمّها ذليلةً مكسورة؟ وإذا قبِل تطليقها، فهل سيسمح لها برؤية طفليْها؟ وماذا ستكون ردّة فعل أعمامها الّذين شعروا منذ زواجها بخروج العار من عائلتهم، ولن يقبلوا بأن يتسلّل إليهم من جديد. ولم تكن في يدها حيلة إلّا متابعة عذاباتها بانتظار الفرج. وبدأ حبّها الّذي كانت تخاله أبديّاً يتهاوى كورق الخريف.

ولما حملتْ بمولودها الثّالث، وربما بتأثير أفكارها وإصرارها على أن تكون قويّة وتواجه مصيرها، شعرت بعلاقةٍ خاصّة مع هذا الجنين الّذي ينمو في أحشائها، كانت تتلمّس بطنها وتتحسّسه بفخرٍ وفرح، وكلّما كبر وتكوّر كانت تزداد تعلّقاً بجنينها، ولم تفهم أبداً سرَّ هذا الإحساس الّذي لم تشعر به في حَمْليْها السّابقيْن. حتّى إنَّ «الدّاية» عندما سحبته من رحمها، بسهولةٍ لم تعهدها إلّا نادراً، أصدر صرختيْن يتيمتيْن خافتتيْن ثمَّ فتح عينيْه على وسعهما بغرابةٍ لافتة، كمن يلج مكاناً كان يظنّه خالياً فيُفاجأ بكثرة الحضور.

ولمّا تناولته أمُّ نجم بين يديها، ضحكت بملء فيها رغم الألم الّذي تشعر به، واحتضنته بحنانٍ وهي تلهث من التّعب، وخاطبته بصوتٍ منهك: «بماذا أنت شاردٌ يا طفلي الصّغير؟». وبعد أيام، أصرّت أن تطْلقَ عليه اسماً غريباً، شارد، ولم تلقَ طبعاً، لا اعتراضاً ولا موافقةً من زوجها، فعنده الكثير من الأولويّات الأخرى ليهتمَّ بها.

Pages