قراءة كتاب الحمامة بعباءتها السوداء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحمامة بعباءتها السوداء

الحمامة بعباءتها السوداء

من المفترض أنني مت، وأن آخر أنفاسي قد صعد إلى السماء، وأنني لن أستطيع فتح عيني مرة أخرى لرؤية هذا العالم، ولا أعرف أيضاً إن كنت لا أزال أتنفس بانتظام ونبضات قلبي تتسارع في مهامها اليومية.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
تمضي الأرواح هائمة تتحسس منابعها الحياتية الأولى، تثير فزعاً، وطمأنينة للروحانيين –الذين يتماسون معها حد الدنو من التعانق، حد الشغف المثير- يبدو أن طريقنا واحدة– لمن قالت هكذا كلام؟
 
"هكذا نمضي صوب ملاذنا...، صوب رياحنا الجامحة...!" هكذا علقت روحها المغادرة قبرها،
 
وأردفت بعد أن عبرت بوابة المقبرة: "ثمة اختلاف بين كونك مطمورة تحت التراب بأعضاء مفككة، وكونك كتلة فوق التراب، اثنتان وسبعون ساعة وينتهي اتصالك بهذا العالم المادي..."
 
كيف عبرت هذه الحياة...؟ وكم قضيت من السنوات عليها؟ أنظر للخلف فأرى حياة مليئة بالمواقف والكلام والتوافه الكثيرة...، وأقول لنفسي: كيف عشت كل هذا من دون أن أتنبه...؟ نحن نسيّر في هذه الحياة، أيدي الله هي التي تحركنا، نحن مربوطون بخيوط لا مرئية مع الله، لذلك لم نكن نعي ما نفعل، وما نقول!
 
طارت الأرواح بجوار سور المقبرة كأطياف غير مرئية متحدة، ومشدودة لعالمها الحقيقي حيث تسقط كل الأقنعة مع سقوط الأجساد، أي جسد سيحفظ قناعه بعد أن يهترئ؟ وأتساءل: ماذا كنت أريد من الحياة، ماذا كانت تريد هي مني..؟!
 
هل كنت أعرف ماذا أريد من الحياة؟ ولكنني لم أعثر على ما كنت أريد! وهل كنت واثقة من معرفة ماذا أريد منها!؟
 
ما الذي كانت تريده من الحياة بينما لم يتحقق؟ ولماذا لم يتحقق؟ ما الذي عطله؟ هل هي رؤى غامضة بلا حراك، أم أنها أفكار مطفئة بلا منفذ؟
 
الأفكار تحيط بعقلي كسور الأشجار حول المزرعة، تستجيب لحركة الريح دون مقاومة. كلما غرسني أبي في الأرض، تقلعني أفكاري المضطربة، كل غرس له تربته الملائمة، لا غراس خارج النوع، لذا أنبتوني في غير تربتي فجاءت سنابلي بلا حَب، وعشت في صراع بين الحياة المفروضة والحياة التي أردتها!
 
أتذكر صديقات عابرات كن قد قصصن حياتهن المليئة بالأحداث، وقد وعدتهن أن أكتبها ذات يوم! أتساءل مراراً هل يمكن أن نكتب حياتنا بصدق وقد كتبها الله تعالى قبلنا؟ لمن نخلد ذكرانا وذاكرتنا المليئة بالحزن والفجيعة؟ من يستطيع أن يصنع من قساوة الجرانيت تحفة للممر، غير الأصابع الماهرة التي أودع الله فيها سراً من أسراره التي لا تعد ولا تحصى؟ كيف كن ينظرن لحياتهن وهي تتسلل من بين أبصارهن كالدموع الفارة؟ وكيف أنظر إليها وأنا التي عايشتها معهن أحلل أحداثها، وأنصت لكلامهن وكيف كن يصغن أحداثهن؟ وكيف ينظر الله لتلك الحياة؟ وهل أراد الله لهن أن يعشن معذبات فعلاً كما كن يتحدثن؟ أكثر القصص تشويقاً –بالنسبة لي على الأقل- هي قصة غريبة نوعاً ما، ولا أعرف إذا ما كانت وقعت فعلاً أم أنها من نسج خيال الراوي الذي يلح على تخطئة بعض الناس في مجتمع يظن نفسه ملائكي، طاهر، شفاف كالضوء بل أشد، هذا ما يجب الاحتفاظ به أمام الضوء على أقل تقدير! وبما أنني سأكتب كما وعدتهن، فسأتحدث عما أشعر به في قلبي، أما دون ذلك فالراوي هو المسؤول عن أغلب الأحداث، فقط التدخل اليسير مني في حالات قصوى ونادرة...!
 
تقول صديقتي (ن):
 
"كنت سمكة ماء عذب أسكنوها في ماء مالح، فجاءت حياتي غير مستساغة؛ لملوحتها الزائدة، الماء المالح لا يمكن ابتلاعه، ما أن يداعب اللسان حتى يمجه دون أن يتعب نفسه في حركاته البهلوانية..." هكذا مرت هذه الكلمات في بالي، أظن أنني سمعتها من إحداهن ذات يوم.!
 
غادرت العالم بمحض إرادتي، وتآلفت مع العزلة، وعشنا كصديقتين حميمتين حتى انقضت سنواتي وقبل أن أصل إلى هنا، حيث الحقيقة التي كنت عنها أبحث..!!
 
"لا أحد يغادر عالمه بمحض إرادته، لا أحد...!" هذا ما تكلم به الصوت الذي يرافقها.

Pages