قراءة كتاب الحمامة بعباءتها السوداء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحمامة بعباءتها السوداء

الحمامة بعباءتها السوداء

من المفترض أنني مت، وأن آخر أنفاسي قد صعد إلى السماء، وأنني لن أستطيع فتح عيني مرة أخرى لرؤية هذا العالم، ولا أعرف أيضاً إن كنت لا أزال أتنفس بانتظام ونبضات قلبي تتسارع في مهامها اليومية.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
أومأ لي قريني -ليلة البارحة- بالقراءة من طرف عينه فطفقت أقرأ له ما تناثر من اللفافة:
 
((مازالت قصتي طويلة لا أحد يفهم الأشياء المبتورة، وراء كل حكاية فكرة، وراء كل فكرة حقيقة للوجود...، الأشياء المحسوسة لا تأتي من العدم، إنها إشكالية التحول من مادة إلى أخرى، من شكل إلى آخر، لا تمنحني القوالب الجاهزة مصداقية الحياة، أن تحيي معناه أن تعيشي العصر الذي يلائم طباعك، وليس ما يمليه عليك فكر ماض...! الحياة سلسلة لا متناهية كل حلقة تقتفِ أثر الأخرى...، من قال بنهاية الحياة؟ كل حياة خلفها أخرى أكثر ديمومة! من أراد قراءتي فليفك شيفرة المعنى، هي مفتاح النص، وهاتكة عِرض الحكاية، وفاضحة لعين الحقيقة حيث لاشيء يمكن أن يخبأ في عدسة العين الراصدة لأنفاس الروح...))
 
هذه كلمات كتبتها بدمي . رائحة الحبر الأحمر هذه تشبه الدم. كيف مكثت كل هذه
 
السنين؟ هذا الصندوق مايزال يضج بالحياة، رائحة الحياة عابقة، لا وجود لموت هنا.
 
كم من السنوات اختزنت هذا الصندوق؟ ثم من أحضر الصندوق إلى هنا؟! تلك أسئلتك التي ستطلقها حين تقرؤني..؟
 
أحدكم سيسأل كيف هي هيئة الصندوق تلك؟ لم يكن صندوقاً بالمعنى الدارج، وليست الأوراق أوراقاً، تلك هي الذاكرة، بعد موتنا نفقد الأشياء المادية وننسى مسميات الأشياء!
 
وربما لن يوافقني أحد على هذا الكلام... "ليس هناك من براهين تدعم حجتك.." أحدهم سيرد بذلك!
 
أخبرتكم...، الحياة بكليتها لغز لم أفهمه، لذا فررت منها..!
 
إذا قلنا دم ورائحة وذئب على الافتراض فحسب- فتكون رائحة الدم هي من اجتذبت الصندوق للذئب. الذئب يفقد عقلانيته عندما يشتم رائحة الدم.
 
والسؤال: ما نوع هذا الدم؟ هل هو دم امرأة أم رجل؟
 
أحدكم سيجيب: "أظن أنه دم امرأة طالما أن هناك ذئباً يعوي...!" والآخر سيصمت غير آبه بما يدور..! لأن ثورة الأسئلة جحيم يدمر العقل إذا لم تجد الأجوبة، أو أنها موجودة خائفة مستكينة في أعماق المخيلة تخشى المقص الذي يوشك على الفتك بها!
 
"تحت ضوء هذا القمر سيقرؤني أحدهم ذات ليلة. ربما فكر... وفكر طويلاً... من كتب كلمات جوفاء، ثرثرة مقيتة، كلام ناعم كالضباب، وجمل خالية من التأثير. كلمات محتقنة بهذه الرائحة؟ وربما تجلت أمامه رؤيتي. حين ينظر إلى الجنوب من أرض الله سيرى خيطاً ثلجياً لامعاً يتقد..........." هذا ما قالته ليلة البارحة.
 
أخرج قلبي ووضعه في راحة يده المستديرة، بطرف أظفره أحدث قطعاً صغيراً، ما لبث أن امتد لنهايته، وبنظراته وأصابعه أخذ يتفحص حجراته ومخابئه ويصغي لهمس جاء من عمقه البعيد. هذا ما يحدث الليلة.
 
"وقفت أحدق في الأفق الممتد من النافذة، كان الليل أشد حلكة كقماش مخملي مرصع باللازورد. بصري يتنقل بين الأوراق التي تضغط عليها أصابعي وبين القمر الملتحف بسحب مواربة. هل سأمضي وأحرق هذه الأفكار التي قلبت كياني منذ أن قررت قراءتها؟ ولما لم أحب العودة إلى الماضي, هل لأن الماضي يحمل حياة لم أشأ أن أعيشها..؟ أيامي تمضي والقبور تلاطمها وتقص أساطيرها التي لا تنتهي. القبر حياة صامتة للعين، بمنأى عن السمع، يملأ عيني وفكري. هل هذا هو الكنز الذي رأته أمي لي في الحلم؟ رأيتها وهي تعبر غيمة مثقلة، ناداني: "أي بنيتي...
 
-ارتعدت قليلاً، فجأة شاهدت الريح تنحني كمركبة فضائية، مدت يدها وصعدت بي ومضت نحو الغيمة الكرسي، كل ما أتذكره من حوار دار بيننا- القبر يا فؤادي... القبر." همسات سكبتها أمي في أذني، وقبل أن تحلق نحو السماء رمت لي بشيء يشبه ماذا.. ماذا.. قلت لنفسي حين استيقظت: "أظنها لؤلؤة..." هل كانت كذلك..؟

Pages