You are here

قراءة كتاب بنية الشخصية المؤمنة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بنية الشخصية المؤمنة

بنية الشخصية المؤمنة

الشخصية المؤمنة في القصة القرآنية شخصية فعالة مطلقا، وتتضح فعاليتها عبر الأحداث التي تخوض غمارها، وعلاقتها بالشخصيات داخل القصة، أومن خلال المواقف التي تمر بها وطريقة تعبيرها وحواراتها، وثباتها على المواقف الايجابية وصدق عواطفها الإنسانية، ومراعاتها لعنصري

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
بنية الشخصية المؤمنة بنية فعالة
 
الشخصية المؤمنة في القصة القرآنية شخصية فعالة مطلقا، وتتضح فعاليتها عبر الأحداث التي تخوض غمارها ،وعلاقتها بالشخصيات داخل القصة ،أومن خلال المواقف التي تمر بها وطريقة تعبيرها وحواراتها ،وثباتها على المواقف الايجابية وصدق عواطفها الإنسانية،ومراعاتها لعنصري الزمان والمكان ,ومن ثم هي تستمد حيويتها من خلال علاقتها بهذه المكونات جميعا فلا توجد أوصاف مادية أو حسية للشخصية المؤمنة تعمل في استقلال عن هذه المكونات فهي دائما في خدمة البناء العام للقصة ,ولا توجد أوصاف تزيينية أوايهامية كما في القصص الإنساني مثلا.وقد اعتنى القرآن الكريم ببيان هذه الصفات عن طريق عنايته بأسلوب تقديم الشخصية المؤمنة، ورسمها على وفق المستويين الحسي والمعنوي وبأسلوب تعبيري معجز جعل من صفات الشخصية صفات معبرة, وهناك أمثلة من القصة القرآنية تشهد بأن الشخصية القرآنية تمثل بنية فعالة من خلال تفاعلاها مع الأحداث تارة, ومع الشخصيات والزمان والمكان والحوار وسائر مكونات القص تارة أخرى, كما في قصة موسى عليه السلام -مثلا-أكثر القصص ورودا في القران الكريم- اذ تتجلي فيها ظاهرة فنية إلا وهي محورية الشخصية – شخصية موسى - وهيمنتها على عناصر القص الأخرى ،ويمكن رصد فاعلية شخصيته بالمضي قدما مع مراحل حياته كما وردت في القران الكريم: فموس عليه السلام الطفل أولا وحادثة قذفه في اليم، ومن ثم رجوعه إلى أمه كي تقر عينها. وموسى الصبي وكيف نشأ في بيت فرعون وكنفه ليكون له بعد ذلك عدوا وحزنا. ومن ثم موسى عليه السلام الشاب القوي وحادثة وكزه لرجل من الأقباط بعد أن استنصره الذي من شيعته . وعلى المنوال نفسه نتابع موسى القوي الأمين وقضية استسقائه للفتاتين. وأخيرا موسى النبي المرسل وكل ما يتعلق بهذه المرحلة بدءً من خروجه من مدين وصولا إلى اتخاذ بني إسرائيل العجل آلهة من دون الله وما تبعها من أحداث .
 
نتابع هذه الأحداث بالتناغم مع المواقف التي تمر بها شخصية موسى عليه السلام بأروع بيان، وبأجمل أسلوب وبإنسجام قصصي عالٍ. فهذه المراحل التي تمر بها الشخصية في حياتها لا توصف اعتباطا او حشوا، فلكل موقف أثر ولكل وصف بعد، ولكل مرحلة أحداثها، ولكل إطلالة للشخصية في القصة مدى يترك تأثيره على جانب من جوانب الشخصية بالكشف والتحليل او كليهما معنا. فوكز موسى لرجل من الأقباط كان سببا لهربه من آل فرعون واتخاذه مدين ملاذا آمناً فيه رعى الغنم ورزق بزوجه، وبعد أن أمضى عشر حجج اشتاقت نفسه وعظم الحنين في داخله الى وطنه وفي طريق عودته انس نارا او هو حسبها نارا فوجدها نورا، نور الرسالة والهداية والتبليغ لأكبر طواغيت الأرض فرعون وملئه.
 
وليس في وسعنا أن نستغرق في ذكر المراحل التي مرت بها الشخصية كلها ولكن يمكننا أن نكشف عن فعالية الشخصية عبر تناول الصفات المادية والمعنوية لموسى عليه السلام , ولاسيما تلك التي انطوت على دلالات أثرت على عناصر القص فحركت الأحداث تارة، وأظهرت المكان والزمان وأكسبتهما طابعا معينا تارة أخرى. أما عن الصفات المادية فقد وصف موسى عليه السلام (قوي أمين) فما علاقة هذه الصفة (القوة) بما يجري من أحداث؟.... لأنه قوي استطاع بضربة واحدة قتل الرجل فكان الثمن أن يفر خائفا وجلا من فرعون. ولأنه قوي ثانية تمكن من حمل الصخرة التي تغطي البئر... ولأنه قوي مرة أخرى تمكن من أن يقطع الطريق مشيا إلى مدين. ثم بعد ذلك فهو أمين(قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ): (9)
 
أمين بتعامله ... أمين بغيرته ... أمين بصدقه وشجاعته فحاز إعجاب الرجل ومن قبل بناته فصار زوجا لإحداهما، واستبدل الله تعالى خوفه بالأمن وأكرمه بالرسالة. وكذلك يجزي الله رسله وعباده المخلصين,فمن الصفات المعنوية ما تترك أثرا عميقا في الأحداث وفي سائر مكونات القص، فهذه بلقيس الملكة الحاكمة غيرت بذكائها وحكمتها مسار قوم – بأذن الله تعالى – من الكفر إلى الإيمان وأذعنت لنداء الحق لدعوة سليمان عليه السلام, بعدما أدركت بحكمتها أيضا (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)(10) ومن فرط حكمتها لم تنفرد بقرارها هذا على الرغم من أنها منشرحة الصدر له ،وإنما استشارت قومها(قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ) (11) فللحكمة شروط ومستلزمات تصير فيها النفوس قناديل تضيء معالم الطريق وتهدي إليه، فبرحمة الله ومنته على عباده صار قرارها فيصلا بين الحق والباطل بين الجنة والنار بين أن تكون أو لا تكون.
 
تبرز فعالية الشخصية في القصة القرآنية أحيانا عندما تتفاعل مع الأحداث سلبا وإيجابا فيترك الحدث فيها أثرا ما, فقصة أصحاب الجنة يقوم محورها على أساس ما يخلفه الحدث من اثر في سلوك أصحاب الجنة، فهي لون من ألوان الابتلاء ودرس يكشف عما يعتلج في النفوس، واختبار حقيقي للإيمان، جنة أتت أكلها، وأغدق عليها الباري عز وجل من نعمه الواسعة مما كان فتنة لأصحابها، فنسوا، أو تناسوا مصدر هذه النعمة فاغتروا بها أو هي أغرتهم، فجمعوا أمرهم، أن لا يدخلها احد ولا يزاحمهم في هذا الخير الكثير مزاحم حتى وان كان مسكينا أو عابر سبيل. __فويل للنفوس إذا ما استولى عليها الشح والطمع وغلبتها القسوة وحب الدنيا وزينتها_. فجاء أمر ربك... والدرس البليغ والعقاب السريع، وأصبحت جنتهم من فورها هشيما وكأنها لم تكن، فسبحان الله العظيم. وهم في دهشتهم وشدة ذهولهم، ذكر اخ لهم سبب ذلك كله:( قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ) (12).

Pages