الشخصية المؤمنة في القصة القرآنية شخصية فعالة مطلقا، وتتضح فعاليتها عبر الأحداث التي تخوض غمارها، وعلاقتها بالشخصيات داخل القصة، أومن خلال المواقف التي تمر بها وطريقة تعبيرها وحواراتها، وثباتها على المواقف الايجابية وصدق عواطفها الإنسانية، ومراعاتها لعنصري
You are here
قراءة كتاب بنية الشخصية المؤمنة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
هذا الحدث الجلل والدرس القاسي، لم ولن يمر دونما تأثير، فماذا كان جوابهم بعد أن ذكرّهم أخوهم؟ وماذا يا ترى هم فاعلون؟ عادوا إلى رشدهم وصوابهم بالرغم من هول الخطب وغلاء الثمن، وذهاب الجنة(قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ) (13) فالندم على المعصية من شروط التوبة ، فالأمر إذن لا يخلو من اللوم والتقريع على ما فرطوا في جنب الله (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ(30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ) (14) ولكن ماذا بعد الندم واللوم هل يركنوا إليهما فقط؟ بعد ما أدركوا السبب الحقيقي لما حل بهم وبجنتهم!!يبدوا أن موقفهم كان أكثر ايجابيةً، طغوا، فعوقبوا، وندموا ثم ثابوا الى رشدهم وعقدوا رجاءهم بالله تعالى بأن يعوضهم خيراً من جنتهم التي فقدوها بظلمهم لأنفسهم. فقالوا: (عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ) (15).
المتتبع لأحداث هذه القصة يلمس الأثر الواضح الذي تركه الحدث في الشخصيات عبر تنوع سلوكها من موقف الى موقف مما يشهد للشخصية او مجموعة الشخصيات ( أصحاب الجنة ) بالفاعلية وهي تتناغم مع الأحداث في ضمن آلية تقوم على الشد والجذب بين طرفين متوازيين هما : الأحداث والشخصية، ففي بدء القصة يظهر أصحاب الجنة - بوصفهم نماذج بشرية غاية في الشح والاستعلاء .... وبفعل الحدث وما أصاب جنتهم من دمار استوعبت هذه الشخصية الدرس وعرفت السبب لما حل بها فبدت في هذه المرحلة – وبفعل الحدث أيضا – شخصيات يستحوذ عليها الندم ويبلغ منها الانكسار والحسرة مبلغا عظيماً. ثم تهتدي إلى أسلوب ناجع هو التوبة إلى الله تعالى، ورجاء المغفرة والصفح والتعويض بجنةٍ خيراً من جنتهم التي فقدوها(16).
ظهرت الشخصيات إذا وبفعل حدث واحد بثلاثة أطوار متباينة تبعا لتطور الأحداث: شخصيات مستكبرة جاحدة لأنعم الله ، وشخصيات يستحوذ عليها الندم، وشخصيات ترجو الصفح والعفو.
يحق لمن يقول بعد ذلك كله – إن الشخصية وأساليب عرضها تشكل إحدى السمات الجمالية في القصة القرآنية على نحو عام، وفي قصة أصحاب الجنة على نحو خاص ، فهي استطاعت أن تستوعب الدرس ،وتتناغم مع مجريات الأحداث، فأثبتت بما لا يقبل الشك أنها شخصيات فاعلة في بناء القصة فنياً.
الحلم والأناة والدقة والحزم هو ما تميزت به شخصية سليمان عليه السلام ، فكانت هذه الأوصاف المعنوية لشخصيته المحرك الفعلي للأحداث وتطورها، ولتوجيه الشخصيات وتقويمها. فأتضحت سمة اليقظة والدقة في تفقده للطير :( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ) (17) فها هو ذا الملك والنبي سليمان عليه السلام في نظرة شاملة يتفقد
فيها الطير فلا يجد الهدهد . نعم طير من بين ملايين الطيور، فأي دقة ويقظة تلك
التي يمتلكها سليمان ... وهو يسأل عنه في صيغة مترفعة مرنة جامعة
( ما لى لا أرى الهدهد؟ أم كان من الغائبين ) ويتضح انه غائب ويعلم الجميع من
سؤال سليمان انه غائب بغير إذن!! وحينئذ يتعين أن يأخذ الأمر بالحزم كي
لا تكون فوضى، وهذا ما فطن إليه سليمان عليه السلام وهنا بالضبط تبرز فاعلية الشخصية بإزاء الأحداث والشخصيات والمواقف ، فيتوعد الهدهد الغائب(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) َ...)(18)ولكن سليمان عليه السلام ليس ملكا جبارا في الأرض، وإنما هو نبي، ومن ثم هو لم يسمع بعد حجة الهدهد الغائب، فلا ينبغي أن يقضي بحقه قضاء نهائيا
قبل أن يسمع حجته، ويتبين عذره، وعند ذلك تبرز سمة الحلم والأناة، سمة النبي العادل (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ)(19) وبالفعل يأتي الهدهد بنبأ عظيم، لم يحط به سليمان عليه السلام علما.
من يتأمل هذا المشهد من سورة النمل، يدرك الملامح المعنوية الفاعلة لشخصية سليمان عليه السلام وثرائها وتنوعها بما ينسجم مع الموقف المراد تأديته في القصة. فهي يقظة في اللحظات التي تستدعي اليقظة ، حازمة في الوقت الذي يكون فيه الحزم سلاحا ماضيا نافعا, وبالمقابل حليمة متأنية متسامحة مع طير غاب ولم يحضر ويدلي بدلوه.
Pages
- « first
- ‹ previous
- 1
- 2
- 3
- 4