حديث الشعر هو الحديث الأكثر حيوية ونشاطاً وغبطة وحلاوة ولذّة وجنوناً وإثارة وانفتاحاً وتشظيّاً وسحراً وغموضاً، في أيّ زمان ومكان وحدث ومصير وأفق وجهة، وحين يتخصّص الحديث ضمن تجربة نوعية خاصة لها تاريخها ضمن النشاط السيرذاتي فإن الأمور تأخذ حساسيتها على نحو
أنت هنا
قراءة كتاب فضاء الكون الشعري
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
كانت لقاءاتنا مملوءة بالحوارات النافعة والمفيدة، نقرأ لبعضنا ونتبادل الملاحظات على ما نسمع ونقرأ، ونذهب بعد ذلك إلى مقر جريدة الحدباء في منطقة (الدندان)، حيث كان مقرها مأوى آخر نتردد عليه باستمرار ونلتقي فيه، ننشر قصائدنا ومقالاتنا على صفحات الجريدة وكنا نتقاضى على ما نكتب مكافآت جيدة، تساعدنا في ترتيب أوضاعنا في حدود المصاريف اليومية، ولعلّ هذه الجريدة إحدى العلامات المركزية المهمة في تاريخ الحركة الثقافية والأدبية الموصلية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وأنا والكثير من أبناء جيلي ندين لها بالكثير بوصفها عتبة مهمة من عتبات انتشارنا وحيويتنا الثقافية والأدبية، تحكي على نحو غزير جانباً من صعلكتنا الهادئة في المدينة.
بعد ذلك بقليل جمعني والشاعر محمد مردان مجال آخر له أهميته وحضوره هو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين ـ فرع نينوى ـ، إذ عملنا معاً في الهيئة الإدارية للفرع دورتين متتاليتين مع الأدباء نجمان ياسين ومزاحم علاوي وثامر معيوف وآخرين، وكانت لقاءاتنا أسبوعية حيث نقيم ندوة أسبوعية استضفنا فيها الكثير من مثقفي وأدباء المدينة وأساتذة جامعة الموصل، فضلاً على استضافة أدباء عراقيين من محافظات أخرى، وكانت استضافتنا للشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي لمدة أسبوع تقريباً تاج هذه اللقاءات، إذ أقام أمسيات شعرية وندوات حوارية طيلة تلك الأيام، وأصدر فرع الاتحاد طبعة ثانية من ديوانه الذي كانت طبعته الأولى قد صدرت حديثاً عن دار الشروق في القاهرة ((بستان عائشة)).
وبعد عودته إلى بغداد كانت جامعة الموصل قد أوفدتني ـ وأنا أحضّر لأطروحتي في الدكتوراه ـ لمدة شهر إلى القاهرة، سافرت مطلع شهر حزيران 1990، وكان البياتي قد طلب مني أن ألتقيه قبل سفري، فهاتفته فور وصولي بغداد واتفقنا على اللقاء في كافيتريا فندق الشيراتون الساعة السابعة من عصر الثالث من حزيران، وحين دلفت إلى الكافيتريا وجدته صحبة الدكتور نزار الحديثي وقد جلب له ديوان أبي نؤاس، وما أن غادر الدكتور مجلسنا حتى سألني البياتي عن قابليتي على التسكع والسهر، فأجبته بأنني سأسعى إلى مجاراته ما وسعني ذلك وهو المشهور بأنه لا ينام لشغفه بالسهر، فجبنا ليل بغداد ننتقل من حانة إلى أخرى حتى بلغت الساعة الرابعة فجراً، إذ أعلن البياتي أن السهرة انتهت فغادرته إلى منزل صديقي عبد الله إبراهيم في منطقة الشرطة الخامسة، فوجدته بانتظاري وحدّثته عن سهرتي مع البياتي بأكثر تفاصيلها.