قراءة كتاب مدخل إلى علم المكتبات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مدخل إلى علم المكتبات

مدخل إلى علم المكتبات

إن من متطلبات الوعي الثقافي أن يحيط المتعلم بالمعالم الأساسية في تاريخ المكتبة العربية، وأن يقف على أهم المصادر في مختلف مجالات الثقافة العربية الإسلامية ليكون عوناً له في اكتساب المزيد من المعلومات ومعرفة الطريق إليها عند الحاجة.

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 3
الكتابة في العصر النبوي وصدر الإسلام:
 
كما ذكرت آنفاً أن الكتابة قد انتشرت في عهد النبي  على نطاق واسع مما كانت عليه في الجاهلية، فقد حث القرآن الكريم على العلم، وحث الرسول الأمين عليه أيضاً. وكان كتّاب الوحي هم أول كتبة في الإسلام، وتلاهم بعد ذلك كتّاب أمور الدولة من مراسلات وعهود ومواثيق، ولقد كثر الكتّاب بعد الإسلام من أجل سد حاجة الدولة الإسلامية، وقد بلغ كتّاب الوحي أربعين كاتباً، من أشهرهم الخلفاء الأربعة، ومعاوية، وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص بن أمية، وأُبي ابن كعب، وزيد بن ثابت، وثابت بن قيس، وأرقم بن أبي الأرقم، وشرحبيل بن حسنة، وعبدالله بن رواحة، وعمرو بن العاص، وحنظلة بن الربيع، وعبدالله بن الأرقم الزهري، وغيرهم ( ).
 
وكان هناك كتّاب للصدقة، وكتّاب للمداينات والمعاملات، وكتّاب للرسائل يكتبون باللغات المختلفة في ذلك العصر. وقد ازداد عدد الكتّاب بعد الهجرة وبعد أن استقرت الدولة الإسلامية، وأرست قواعدها القوية في المدينة.
 
فكانت المساجد المدرسة التي يتعلّم فيها المسلمون القرآن الكريم وتعاليم الدين والقراءة والكتابة. ثم اتسعت رقعة الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء وانتشر العلم وانتشرت الكتابة وبدأ عهد الدواوين في عهد عمر وفي عهد الدولة الأموية والعباسية، وما كاد القرن الهجري الثالث ينتهي حتى كثرت المؤلفات في مختلف العلوم. قال ابن خلدون: «وطما بحر العمران والحضارة في الدولة الإسلامية في كل قطر وعظم الملك ونفقت أسواق العلوم انتسخت الكتب وأجيد كتابتها وتجليدها، وملئت بها القصور والخزائن...»( ).
 
ولم يقتصر مؤلفو هذه الكتب على التقسيم العام للكتاب إلى أبواب – أو ما يقابلها في التقسيم- بل نرى أن الأبواب نفسها تقسم إلى فصول حسب تشعب مادة كل باب مما يشير إلى اتضاح فكرة التقسيم الداخلي عند هؤلاء المؤلفين. هذا زيادة على أن هذه الكتب تستقل بموضوع أدبي معين يقل فيه الاستطراد إلى موضوعات أخرى من إخبارية وغيرها مما يمثل اتضاح الفوارق الموضوعية لدى مؤلفيها.
 
وتتضح فكرة التقسيم الداخلي للموضوعات أيضاً في كتب الأدب في هذا القرن( ). ومنها كتاب (العقد الفريد) لابن (عبد ربه)، إذ رتب ابن عبد ربه المواد داخل كل باب من أبواب الكتاب حيث نجد التوزيع الداخلي للمواد يتسلسل تسلسلاً منطقياً. ويمثل هذا النهج تطوراً مهماً في التأليف.
 
وقد تطور منهج التأليف عند العرب وخاصة في أواخر القرن الرابع حيث ظهرت معاجم تتبع التسلسل الهجائي في ترتيب المعجم مثل الصحاح للجوهري والقاموس المحيط للفيروزبادي ومن تبعهم من أصحاب المعاجم. وقد ظهرت في القرن الرابع مؤلفات تعالج القضايا العلمية مثل (مفاتيح العلوم) (للخوارزمي) (387هـ) وكتاب (الفهرست) (لابن النديم) (385هـ)، وظهور هذا الكتاب يدل على مرحلة مهمة في التأليف المنهجي، إذ أنه كتاب لإرشاد المؤلفين إلى الكتب المؤلفة في كل علم، فهو يشبه كتب الفهرسة العلمية الحديثة في فهرسة الكتب المختلفة لإعانة الباحثين على العثور على مصادر دراستهم( ).
 
ولعل ما تقدم يبين بوضوح استقرار قواعد التأليف المنهجي عند العرب، ولذا نجد العصور التالية قد سارت على نفس المنهج.
 
ونلاحظ تطوراً جديداً في منهج التأليف عند العرب في الحقب المتأخرة بدءاً من القرن الثامن وما تلاه من قرون، ويتمثل هذا التطور في تخصيص فصول وكتب تتناول طريقة التأليف وتبيانها. ونجد ذلك في كتاب (أحكام صنعة الكلام) (لمحمد ابن عبد الغفور الكلاّعي)، وهذا الكتاب في صنعة الكتابة عموماً. وقد احتوى الباب الثاني منه على فصل سماه المؤلف (فصل التأليف)( ).
 
ونذكر كتاب (تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم) (لبدر الدين ابن جماعة) (733هـ) تحدث المؤلف في الباب الأول عن فضل العلم والعلماء وفضل تعليم العلم وتعلمه، وفي الباب الثاني ذكر فيه جملة من الصفات الواجب وجودها في العالم.
 
منها وجوب اشتغاله بالتصنيف والتأليف، إضافة إلى حرصه على الجد والاجتهاد والتواضع.
 
وفي الباب الرابع تحدث عن جمع المصادر والتعرف عليه، وذكر أموراً هامة منها النقل عن المصادر، وتنظيم الأسطر والهوامش واستعمال علامات الترقيم والرموز، وغيرها من الأمور التي تتعلق بالكتابة.
 
وبعد فإننا نرى مما تقدم أن حركة التأليف عند العرب كانت حركة منظمة بدأت بسيطة ثم تطورت إلى درجة النضج، ثم تحولت في القرن الثامن وما تلاه إلى حركة علمية متكاملة لها أسسها ومنهجها العلمي، وقد ظهرت كتب يتحدث أصحابها عن المنهج العلمي في التأليف.

الصفحات