قراءة كتاب مدخل إلى علم المكتبات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مدخل إلى علم المكتبات

مدخل إلى علم المكتبات

إن من متطلبات الوعي الثقافي أن يحيط المتعلم بالمعالم الأساسية في تاريخ المكتبة العربية، وأن يقف على أهم المصادر في مختلف مجالات الثقافة العربية الإسلامية ليكون عوناً له في اكتساب المزيد من المعلومات ومعرفة الطريق إليها عند الحاجة.

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 4
منهج التأليف عند العرب
 
لم يتخذ العرب منهجاً في التأليف واضح المعالم إلا في أواخر القرن الثاني الهجري، ولقد اعتمد العرب الرواية الشفوية لنقل معارفهم المختلفة من شعر ونثر وغيره، ومن ثم بدأ علماء العرب مثل الأصمعي والخليل بن أحمد، وأبو زيد الأنصاري وأبو عبيدة اللغوي وغيرهم من علماء اللغة والنحو. بدأ هؤلاء العلماء منهجاً جديداً في التأليف فرأينا رسائل في بعض العلوم اللغوية وخاصة ما يتعلق بجمع اللغة، فرأينا رسائل في المطر وأخرى في السيف وثالثة في الزرع ورابعة في الشتاء وخامسة في النخيل وهكذا. وكان العالم يدون ما يسمع من غير ترتيب إلا ترتيب السماع( ).
 
ثم تطور التأليف في اللغة والأدب فاتخذ منهجاً واضح المعالم، حيث بدأ الخليل ابن أحمد الفراهيدي وضع العين، حوالي (175هـ)، كان هذا العالم ذا ذهن رياضي مبتكر أعمله في جميع فروع العلم التي اشتغل بها، فهداه إلى الكشوف العظيمة. حَصَر أشعار العرب عن طريق أوزانها في العروض( ). ولقد اهتدى الخليل في معجم العين إلى منهج استطاع من خلاله جمع اللغة، فقد رأى أن اللغة تتألف من 29 حرفاً لا يخرج عنها أية كلمة ولا أي حرف منها، ولذلك اعتمد حصر اللغة بترتيب هذه الحروف في نظام ثابت ثم استخدم الاشتقاق الأكبر في اللغة أو ما يسمى بالتقاليب الستة. واتبع في معجمه ترتيب الأبنية.
 
أستطيع القول إن الخليل بن أحمد قد خطا في منهج التأليف خطوات متقدمة، وكان أول عالم يتخذ لنفسه منهجاً في التأليف المعجمي، وقد سار معظم من ألف في المعاجم على منهجه وإن اختلف المنهج نوعاً ما لدى المدرسة الثانية والثالثة من مدارس المعجم العربي، إذ كان ترتيب هذه المعاجم على ألفباء بدلاً من المخرج.
 
وإذا انتقلنا إلى القرن الثاني والثالث الهجري فإننا نجد تطوراً آخر يطرأ على منهج التأليف عند العرب، ففي أواسط القرن الثاني الهجري ظهرت المفضليات التي تنسب إلى علمين من أعلام الرواية في هذا القرن وهما حماد الراوية (156هـ) والمفضل الضبي (168هـ) ثم تلاهما الأصمعي في القرن نفسه فاختار مجموعته المعروفة بالأصمعيات ويشهد أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجري حركة واسعة في التأليف ظهر في هذه الفترة علماء في اللغة والأدب والنحو أمثال أبي عبيدة وأبي زيد وابن دريد وغيرهم.
 
وإذا تقدمنا في الزمن قليلاً حتى أواسط القرن الثالث رأينا تطوراً يتمثل في استقلال المادة الأدبية ومحاولة تبويبها وتحديدها وسيرها على خطة واضحة مما يمكن أن يمثل مرحلة مهمة في تاريخ تطور التأليف عند العرب، ويتمثل هذا في مؤلفات ابن سلام الجمحي والجاحظ( ) فقد وصل إلينا من مؤلفات ابن سلام الجمحي (231هـ) كتاب طبقات الشعراء والذي يلاحظ فيه أن هذا الكتاب قسم إلى قسمين أساسيين الأول منهما للشعراء الجاهلين والثاني للشعراء الإسلاميين. وكل قسم من هذين القسمين يحتوي على عشر طبقات كل طبقة تضم مجموعة من الشعراء.
 
وفي مؤلفات الجاحظ محاولة أخرى للتأليف المنهجي تظهر في توزيع مواد الكتاب بعناوين عديدة يحمل بعضها اسم (باب)، مما يشير إلى ابتداء التفكير بتقسيم الكتاب داخلياً إلى أبواب, ودليلنا على هذا ما ورد في كتابه (البيان والتبيين).
 
إذ يقول: «كانت العادة في كتب الحيوان أن أجعل في كل مصحف من مصاحفها عشر ورقات من مقطعات الأعراب ونوادر الأشعار لما ذكرت عجبك بذلك أحببت أن يكون حظ هذا الكتاب في ذلك أوفر إن شاء الله»( )، لقد كان كتاب الجاحظ البيان والتبيين من المحاولات المنهجية المهمة في التأليف. وإذا نظرنا إلى كتبه الأخرى مثل «البخلاء» و«البرصان» و«العرجان» ورسائله العديدة رأينا تطوراً جديداً في منهج التأليف خاصة في الموضوعات الاجتماعية. مما يشير إلى اتضاح الفوارق الموضوعية بين الموضوعات المختلفة. وما ينطبق على الجاحظ ينطبق على علماء عصره.
 
«ويستمر التطور في التأليف كلما تقدمنا في الزمن حتى إذا ما انتهينا إلى أواخر القرن الثالث وجدنا تطوراً جديداً في التأليف يتمثل في كتاب ابن قتيبة (276هـ) وابن المعتز (296هـ) ومن عاصرهما من المؤلفين»( ).
 
تتضح في كتاب ابن قتيبة (عيون الأخبار) فكرة تقسيم الكتاب اتضاحاً تاماً، إذ قسم المؤلف كتابه هذا إلى عشرة كتب، كل كتاب منها يحمل عنواناً خاصاً به، أما كتابه (الشعر والشعراء) فتدل مقدمته ومحتواه على تفكير مهم في منهج تقديم المادة، إذ تضمنت المقدمة كثيراً من المعلومات الخاصة بقضايا التأليف ونقد الشعر. وقد وزع الشعراء في الكتاب حسب العصور، وهذا يمثل تطوراً مهما في التأليف. فقد قدم تراجم الجاهلية ثم الإسلاميين ثم العباسيين. ويبين هذا الترتيب اهتمام الكاتب بالترتيب الزمني.
 
وأما (المبرّد) فقد أحدث مسألة جديدة في تقسيم الكتاب إذ قسم الكتاب إلى أبواب كان الباب الأخير منها مقسماً إلى عدة فصول، مما يدل على بدء التفكير في التقسيم الداخلي للكتاب على شكل وحدات تقسيمية كبيرة تقسم إلى فصول حسب الموضوعات التي تحتويها مادة الباب( ).
 
لقد كان القرن الثالث كما اتضح لنا العصر الذي نضج فيه التأليف الأدبي، وقد شهد التبويب، واستقلال العلوم الأدبية بكتب خاصة، وتحديد الموضوعات بحيث تستند إلى العصر أو البيئة، وقد زادت هذه المراحل نضجاً في القرن الرابع، فالكتب البلاغية والنقدية بلغت مرحلة دقيقة في التقسيم والتبويب كما يبدو واضحاً في كتاب (نقد الشعر) (لقدامة بن جعفر) و(الموازنة) (للآمدي) و(الصناعتين) (لأبي هلال العسكري)( ).

الصفحات