كتاب "بيان الفردوس المحتمل" للكاتب الفلسطيني عبد عنبتاوي، الذي يقول في مقدمته: "ليس هذا التمهيد مُجرّد مُقدِّمَة لولوج النصّ، بل جزء عُضويّ منه وفيه، فهو عُنصر حيويّ ومُؤسِّس من مَضمونه وشكله، من معناه ومَبناه..
أنت هنا
قراءة كتاب بيان الفردوس المحتمل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
وليست هذه الأفكار المِعْوَلية «خواطِر» لَحْـظِية مَبْتورَة، أو نصوص مُجْتَزَأَة، إنما هي رُؤى تزدَحِمُ فيها وخلالها الدَّلالات والإشارات، دون أن تختَزِل المعاني، مُتحرِّرَةً من الفهم العقائدي للوجود والحَياة، في المعنى والمبنى.. فحين تأخُذ الأشياء ملامِحَ وجودِها الطبيعيّ ومعناها الحقيقيّ، تسقُط الأفكار الموروثة، وتتبعْثَر المنظومات المنهجية، فتأْتي هذه الشَّذَرَات مُتْرَعَةً بالأسْهُمِ المُوَجَّهَة لتشكِّل دعوة لمزيدٍ من الحياة وقليلٍ من الحَياء والأحياء.. إِنها شَظايا رَصاصات غير طائِشة، تُدْرِك مَراميها تَمامًا، وتواصِل محاولة قتل الموت الذي فينا ومن حولِنا، دونما تردُّد أو توقُّف، ما دامت رائحة الموت تَنْبَعِثُ من سراديبِ حياتنا.. إِنها كِتابة انبِثاقية غير مُقَوْلَبَة، تهدِف إلى تحريك السّاكِن وتحاوِل إِنقاذ الحياة من براثِن الموت.. إِنها باقة قنابل عُنقودية انْشِطارية، في صورة أَفكار، فكلّ فكرة تَتَواصَل مع الأخرى، تكتمِلُ بها وتُكَمِّلها وتتكامَل معها..
وهذه الدَّفَقَات من التأمُّلات الاغترابية لا تَدَّعي المُطْلَقَات، ولا احتكار الحقيقة، لا تَدَّعي الكَمال أو اليَقين، ولا تَسير في مَنهجية صَنَمِيّة، رغم ما تَخْــتَزِنه من نَسَقيَّة في إيقاعها الفكريّ الداخليّ، لكنها لا تتأتّى مِنَ العَدَم ولا تتجه نحو الفراغ، ولا تقف عند حُدود «المفهوم ضِمْنًا». .
ولا تعرف هذه التأمُّلات وطَنًا ولا جغرافيا أو مَكانًا، وتقف خارج تُخوم الزَّمان وتُحاوِل تجاوُز التاريخ، ولا تَتَناوَل قضية أو مَوضوعًا بعيـنِهِ، بل تُحاوِل التسلُّل إلى كل شيء.. لا تسعى لِدَغْدَغة عواطِف القارِئ ولا إرضائِه، وتبحثُ عن عُقولٍ وإرادات حَيّة، وعن أحرارٍ يُساهِمون في تحطيم الأصْنام، وفي حرقِ المَعابِد.. إنها مُحاوَلة ذاتية غير مُتواضِعة، للخروج من التّيه والحيرَة والقَلَق، ومواجَهَة الأرَق، تسعى لأِنْ تَجِد المعنى في اللامعنى او نقيضِهِ، أو في غِيابه وخارج حُدود وُجودِه..
وإضافةً إلى أنّ هذه الشَّذَرات هي مُبادِرَة ومُبادَرَة، فهي أيضًا تُشَكِّل رَدًّا على منهجية الاجتِزاء والانتقاء العقلي والفكري، وعلى كَثافة الرِّياء والالتفاف على الحقائق والمعاني، كما يجري فينا وبيننا ومن حَوْلِنا.. أي، ثَمَّةَ مَهَمَّة إِضافية لهذه الكِتابة، تتجلّى في نزع الأقنِعَة عَمَّا يجري من تشويهٍ في وجه ثَقَافَة الحياة وعقلها وطبيعتها، ومحاوَلَة لإعادة تَمَدُّد الجَمال بعد اضْمِحْلالِهِ..