كتاب "الأعمال القصصية الكاملة- المجلد الأول" يحوي القصص القصيرة، للكاتب المبدع والمناضل الفلسطيني محمود شقير، حيث يعتبر مالكاتب من كُتاب القصة القصيرة المتميزين كما وصفه القائد الفلسطيني الراحل توفيق زيّاد، أن قصص محمود شقير تمتاز عموماً بحب الناس، وبروح ال
قراءة كتاب الأعمال القصصية الكاملة- المجلد الأول
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
ثار غضب أم عزيزة، ولم تستطع أن تواصل سيرها دون أن ترشق أم عواد ببضع كلمات:
_ يخونك انت.. ويخون بناتك البائرات، ما خلّين واحد إلا تعمدنه.
وكأن حية لسعت أم عواد، لعلعت الأصوات من كل جانب، ورغم أن المختار يكره كل أهل الحارة، إلا أن إحساسه بالمسؤولية دفعه إلى إنهاء الطوشه. كان صوته يعربد وسط ضجيج مجنون من أصوات النساء وزعيق الأطفال:
- ملعون أبوك على أبوها.. انقلعي إلى بيتك.. ارجعي يا بنت، ملعون أبوه الذي يحويك في بيته.
توقف القتال رغم أن تبادل الشتائم وتقصّي العيوب ما زال مستمراً..
كان المختار يروي للرجال المتحلقين حوله عن أيام زمان، حينما كانت المرأة لا تجرؤ على رفع صوتها أمام الرجل، وإن قابلته في الطريق تذبل وتتضاءل وترمي رأسها في الأرض..
هزّ رجل رأسه:
- يا عمي الدنيا تغيرت، والله ما كان يصح للمرأة تغادر بيتها.
علق آخر:
- يا خلق الله اسكتوا.. الفضايح ولعنة الوالدين في كل مكان.
خفّت حدة الشتائم، أطلّ طفل يعدو عبر الزقاق وصاح:
- عزيزة.. زوجك جاء، والله إني رأيته.
صاح فيها رجل:
- أي امشي يا عزيزة.. استحي قليلاً.. زوجك جاء.
كان يمشي بخطى مترنّحة فوق الطريق الترابية الكالحة.. يرتدي جاكيتاً متهدل الياقتين، يصل إلى ما فوق ركبتيه، وبنطاله المرقّع يطفح فوق حذاء أجرب، وإلى صدره كان يحمل كيساً، وكان متلثماً بكوفيته، وعيناه يطل منهما ذل وأسى: وكيف تقطع الزقاق الآن! وإن مررت عن أبناء بلدك، فهل تطرح عليهم السلام! ومن أين لك صوت يرتفع بالسلام! وإن انبعثت ضحكاتهم من خلفك، فهل تجرؤ أن تقف وتحدق في وجوههم! طبعاً لا، وإنما تطأطىء رأسك وتندفع بخطى محمومة، وتودّ لو أن الأرض تبلعك وترتاح من عذاب الدنيا. اقترب من القرية.. وكان أولاد يلعبون.. هوّمت نظراتهم فوق وجهه، وراح بعضهم يحكي له عن المشاجرة دون أن يلتفت إليهم، وغنى ولد آخر: