أنت هنا

قراءة كتاب عشرون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عشرون

عشرون

كتاب "عشرون"؛ هذه المجموعة هو الإبداع الأول لشاعرة ناشئة تجيد اختيار الكلمات بصورة شفّافة وليس يهمّها القالب الشعري بمقدار ما يهمها المضمون.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة كل شيء
الصفحة رقم: 5
خطوات الدهر
 
نَجَحَتْ كلمة المستقبل في إثارة ضجةٍ غريبة الدَويِّ داخلَ رأسي، لتنْسَلَّ مُعْديةً اليراع، مُريبةً التردُدَ في أنابيبهِ الرصاصيّة. لكن هناك كلمة سبقتْها في الحروف والأوان: الطفولة.
 
هاتان الدرّتان وهبتهُما فِطرَةُ الخليقة لنا.. لا سبيلَ دونَهُما يُسلَكُ. نقطتان علّمتا بأزرارٍ كبيرة خارطةَ حياتنا.. بوصلة مشوارنا. 
 
سكنتْ الطفولة متحفًا في عقل كلٍّ منا، كلّ خطوة جديدة نخطوها تؤثثُ هذا المتحف بغرض جديد.. ترسم له أثرَا مختومًا، ليفتحَ آفاقهُ في المستقبل. شخصيتنا تُبنى منذ تلك اللحظات، منذ تربَيْنا على أيدي والدينا.. على المحبة والوفاق.
 
الطفولة و المستقبل، كلمتان ضخمتان رغم صغر الأولى، ولو أنها أساس الهوية وعنوان الأخلاق. ثلاثُ كلمات وحرف تفسير للطفولة: ذكريات تحكمنا عن بعد!.. والبعد هنا، مرور الأيام والسنون. كلّ حدثٍ.. كلّ منبع من تصرفاتنا، تتحكم فيه طفولتنا.. تكون هي المسؤولة عمّا نحن عليه اليوم. تلك البذرة التي زُرعَتْ في تربة الكون، بذرة نقيّة طاهرة نديّة. والأطفال ثمرة آبائهم، وأفنان بيئَتِهِم، مجهولةٌ جودتها...الأمر متعلق  بنقاء ما نسقي..
 
كيف نحرص أن لا تنمو هذه الزهرة مائلة إلى الأرض؟ .. أو ألا يصيبها الجفاف؟.. فلا تلبثُ شموخًا وإلا أرضًا تهوي يقتلها الردى.
 
لا تُتلفُ تلك الأرواح الصغيرة سوى العكرة من المياه.. ما تتشربه جذورها من أصوات ولمسات.. عن تصدّي الأشعة الدافئة من تقبيل خدّيها الأسيلين. فبدلا من أن تسطع هذه اليانعةُ، من بين الأعشاب، تشهقُ مُداعبةً أوراق النخيل سماءً، تختبئ في التراب بين الأشواك والأعشاب التالفة. لم لا يكون طريق الشرف الأثيل، طريقَ كلِّ ثمرة ستُزهرُ يومًا ما.. كلهم سيُزهرون، لكن يبقى السؤال : أين سيُزهرون؟ في أي صراط؟  ماذا اختار هذا الشاب لحياته، لمستقبله ؟ ماذا حَوَتْ جُعبةُ تفكيره؟ أي دراهم حكمة نمت في عقله ؟ 
 
    ذات فجرٍ, يتزاحم إلى مسامع القلقين بلهفة، صوت مولودٍ جديد، يشقّ صراخه جدران الدنيا، فيبتهج قلب والده فرحًا.. مولود جديد.
 
يبكي المولود لنسمات الهواء التي جعلتْ تشُقُّ أنفه وصدره.. يبكي، لوطأة قدميه دنيا الأرض. ولعلّ ملاكه الصغير همس له عن مكانه.. عن العالم الذي حواهُ, والذي كُتبَ على بابه الشقاء قبل الهناء. “فلو لم تكن الحياة صعبة، لما ولدنا من بطون أمهاتنا نبكي”! و "إنّا خلَقنا الانسان في كَبَد"  صدق الله العظيم.
 
    يسأل الإنسان يراعه: كيف نجعل أوراق الشــرف تطغى محيطَ أطفالنا ومستقبلهم؟ 
 
يكتب اليراع: أيها الإنسان، ليس بمقدورك إبقاء الأوراق معلقةً في الهواء.. إنما- على الأقل- بمقدورك أن تصنع الهواء ! 
 
فيسأل الإنسان مشدوهًا: وكيف أصنع الهواء؟ 
 
يجيبه اليراع: تكفي زفرة من فمـكَ لتساعد الورقة على الطيران.. ولكن ليس حتى لدقائق! , فهي ما تلبث أن تتأرجح أرضًا .. لتلامس التراب, بعد أن كانت معلقة على الشجرة بعزّة. 
 
متى ما سقطت الورقة عن خريف شجرتها.. لن تعود. 
 
أنتم البشر تتعثرون كثيرًا بحجارة الحياة والتجارب، لا تنصاعون لأوامر التريّث والانتباه.. أغوتكم سرعة الطريق والنجاح السريع. فمتى ما وقع الإنسان، لن يقف مجددًا.. وان وقف، فسيكون الدهر قد قوّس هامته بآثار الشيب والهرم.. وبعض آلام قديمة.
 
“الحياة مليئة بالحجارة.. لا تتعثر بها.. بل اجمعها وابنِ سلّمًا تصعد به نحو النجاح.. نحو المستقبل”

الصفحات