كتاب "عشرون"؛ هذه المجموعة هو الإبداع الأول لشاعرة ناشئة تجيد اختيار الكلمات بصورة شفّافة وليس يهمّها القالب الشعري بمقدار ما يهمها المضمون.
أنت هنا
قراءة كتاب عشرون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
يجدد اليراع مِداده ويكمل حديثه مع الإنسان: كلكم ترسمون كلمة المستقبل على أنها قمة تعلو طريقكم الطويل.. قمة خضراء شاسعة.. فتمشون على غير هدى وأعينكم إلى أعلى، إلى القمة، لذلك.. كان الوصول صعبًا.. فلا تنتبهون لخطواتكم، وتخطئون الطريق الصحيح لتعلوها، ولكن الأمر لم يخلُ من الواصلين بسلام..
الواصلون بشرف وعزّة، يسيرون في ركاب الغمام مرفوعي الجباه..
فهنيئًا لهم..
كل رحلة تحتاج زادًا.. زادًا مفيدًا يساعد على مشقة الطريق.. سأنصحك أيها الإنسان، إن كان مطلبك أن تغطّي أوراق الشرف أطفالك، بدل أن تزفر نفسًا يُطيِّر الورقة حول ابنك مؤقتًا.. لتقع أرضًا.. لماذا لا تسعى للحفاظ عليها معلقةً على أفنان شجرتها؟
يسأل الإنسان بلهفة: وكيف ذلك يا يراعي؟
يشيح اليراع بوجهه، يمسك بورقةٍ كانت أرضًا، ويعيد النظر إلى الإنسان يمدُّ له يده بورقة على شفا الجفاف المنسيّ.
“ما هذا ؟” يسأل الإنسان.
“هذه ورقة.. سقطت أرضًا وقد كتبت وصية نفسها على نفسها، بعد ندم. لعلّ إنسانا شريفًا يرفعها ويحضنها بكتابٍ عريق." أجابه اليراع.
يتناول الإنسان الورقة ويتلو ما كُتب: “إني ورقة أرهقَتها النفوس الكاذبة المخادعة.. أكلت نضارتها عروق السوء.. وسرقت بهجتها الجذور الشريرة الظالمة. كل هذا بسبب خريفي. فإلى من يحملني بين راحتيه الآن، اهديهِ هذه الكلمات: لا تسقِ ثمارك مياه الاتكال، وان أردت أن يشيّد أطفالك مستقبلا مُشرّفًا، ويكونوا رجالَ دهرِهِمْ.. فابنِ قاعدة هرَمِهِم بثبات الـثــقـة الشامخة. زيّن جيدهم بدُرَرِ المروءةِ، طيّبهُمْ بعبـــير المحبة، وازرع بأفئدتهم براعم الإيمان والأمل.
دثّرهُم بوشاح التواضع، ثبّت في أقدامهم جلاجل الإصرار والمثابرة.
لا تحاول أن تبني سرًا حِصنًا منيعًا.. فبذلك تكسر الكلمة الأولى وخوفك الزائد من زلاتهم يحوّل حصنك إلى سجن لهم. يحجبهم عن التعلم من هذه الزّلات. فتبقى في رغبتهم تذوق الخطأ.. ليدركوا الفرق بينه وبين الصواب. لكن، لا تتغاضى عنهم إن استمروا في الخطأ .. بل ازرع قليلاً من الشوك في الطرقات، لأن هناك العديد من الأخطاء لا ألم يوخز فاعله.
لهذا لا تعي النفوس أن أقدامهم تغوص في الوحل الموحش. أنا ورقة يابسة، تبخرت المعالم من ملامحــي.. فبتُّ جاهلة من جديد، فلم لا تشعلون سراديب العقول المعتمة بشُعُلات العلم، كيف سأعانق يومًا جمجمة شفع العلم لعظامها الفاسدة.. ولأقول كيف حواكِ يوًما عقلٌ كفؤ عظيم!.. فلا تقربه وحشة الظلمات حتى لو كان في الظلام.”
ولو كان العلم حرفًا، أو نقطة في سطرٍ خالٍ، تنتظر صفحةً تُقلبُ. هذا ما يجعل الطفل رجلَ دهرهِ ومستقبله.
ما زالت حسرات الأمهات تنظر بطفلها شهم المروءة، وتأمل بان يكون الرجل المنتظر.. المحرر.
فيكفينا حبس كلمة الــوطــن في غرفة مظلمة مشبوهة.. أضيئوا تلك الغرفة.. دعونـــا نرى ملامح هذه الكلمة الحقيقية !! فقد اشتاق الزمان .. هذا الزمان، لآدميٍّ .. يحملُ معنى رجــل. فقد باتت هذه الكلمة عادةً تُطلقُ على الذكور.. ككلمة صباح الخير.. حتى لو كان الخير قد غاب عن ذاك الصباح!
أين هو من يشمل الرجولة بصفاتها الحقيقية، التي تنشر فروع الاستقامة والرزانة. وتدغدغ روحه القوة وجسده. لا تدفنه ملذّات الدنيا الفانية بسهولة. أين يومنا وحاضرنا من هذا الرجل؟ من أولئك الرجال .. رجال التاريخ. مستقبلنا يقف على هذا الجيل، لكن للأسف، كثّفت الدنيا متاهاتها في الساعات الأخيرة، لِتُضِلَّ الشبابَ.. فأين بات المستقبل من هرم أولوياتهم؟ غطّى الغبار الكثيف أعينهم. لكن الفساد لطالما حفظ بِلُبِّـــهِ بعض النضج والنقاء وهذا الأمل.. ما زال متشبثّا بعقول وقلوب المصرّين على كسر الحواجز وعلى إغلاق متاهات دنياهم، ليضعوا حدًّا واحدًا أمامهم.. في مآقي مغلقة يسيرون.. بقلوب بصيرة ناظرة, بوعي منير.
يعبرون بها نارًا وأنهارًا لأجل حفظ الأمل المرصّع المتبقي في خواتم الساعة. فقد بدأ الجراد يحيك أثواب الافتقار لقيَمِنا..
منذ أجيال وفي سبات نحن.. فقد الإنسان قيم ذاته.. الكون ينزف.. ينزف بشدّة.. والخدر خنق أضلعنا فأُغمينا عن الشعور.. لنفقد الإحساس بألم الدهر.. بألمنا..
لهذا، إن أعاد الإنسان سؤاله.. سأجيبه أنا !!
إذا كان يا أخي الإنسان, قد افتقر الأسد لهيبته العظيمة، ولقيمته الخيلاءَ بين أخوته.. فما بال شبله الذي ينتظر رضاعة قيم مَثَلَهُ الأعلى وقد تساقط شيب لبدته..
كيف سيُسمعُه والده أغنية فقدت لحنها ؟! وكلمة أضاعت معناها.. دون حروف.. دون نقاط..
وقد فَقَدَ مالِكُ الشيء.. ما وَجَبَ أنْ يُعطيهِ !
21/05/2007