(ضحى) رواية شاملة للمأساة الإنسانية، متميزة في أسلوبها، مهتمة بلغتها الروائية الأدبية، تعالج مواقف وقضايا فكرية إنسانية كونية عاطفية.
أنت هنا
قراءة كتاب ضحى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
قال زميلي المسافر: نتسلى؟ نلعب الورق؟ رد عليه المسافر الثاني: من زمن بعيد لم ألعب، وقد نسيت قوانين اللعب· قال الأول: أترانا مقامرين؟ كلنا في الهوى سوا· نتسلى· سأله: إن كان لديه ورق· أخرج من حقيبته علبة الورق وقدمها له· وضعها في كفه، كمن يزنها· ثم أردف قائلا: ناقصة ورقة واحدة· تدخَّل المسافر الثالث وطلب أن يرى الورق· وضعه في كفه ومرّ عليه، بسرعة، كما تمر آلة عد النقود، تعدها· قال: نعم· ناقصة ورقة تسعة كبة· دهشت وطلبت الورق أبحث عن تسعة الكبة· فعلا لم أجدها، بين الورق· حمدت الله، الذي نجاني من مقامرين· لكن الأول بحث في حقيبته ووجد تسعة الكبة· كانت ليلة، ليست ككل الليالي، كنت فيها الأبله الوحيد· والخاسر الدائم··· الطش.
في الصباح وصلنا محطة القطار في فيلنوس· كان مضيفنا في استقبالنا· وضعنا أمتعتنا القليلة في بيته وخرجنا نستكشف معالم المدينة· بلد قديم، تداخل في عمرانه: الحديث مع القديم· شأنه في ذلك شأن جميع المدن السوفييتية القديمة· عمار كلاسيكي قديم في غاية الجمال· وأبنية حديثة، نبتت بعد الحرب، تسد، على عجل، احتياجات من تهدمت بيوتهم· كان الانطباع العام: بشاعة الحداثة، ونفورها من القديم· بيوت كأنها علب لا تنسجم مع القديم وليس فيها لمسات الحداثة· علب تكدست فوق بعضها البعض، بلا انسجام·
خرجنا من المدينة، إلى مطعم، في إحدى الضواحي· إلى قرية، بيوتها، القليلة مصنوعة من سيقان الشجر، رتبها البناؤون ساقا فوق ساق· نزلنا بضع درجات، إلى بهو واسع· علقت على جدرانه جلود ورؤوس لحيوانات برية، كثيرة: غزلان وأيائل، دببة بيضاء وأخرى بنية، خنازير برية، أرانب وغيرها··· كلها من صيد البراري· كما علمنا فإن المطعم يقدم فقط لحوم حيوانات اصطادوها من البر· فرقة من الصيادين تكفل للمطعم ما يحتاجه من لحم· جميع أنواع الخضروات من بساتين الفلاحات أو من بقول البراري· وخبز، من الشوفان، شديد السُمّْرَة سميك يستله الفران، أمامك، من قلب النار· كُلْ ما تشاء واشّْرَبْ ما تشاء من النبيذ البيتي·جميلتك على حالك، والشاطر من شطارته. سعر الوجبة موحد·
بعد صحن الحساء، من مقادم الحيوانات، تناولنا تتارسكي بيف ستيك. لحمة حمراء، من الفلي، نيئة، مهروسة جيدا وفي وسطها صفار البيض، أيضا نيئ· عليها أنواع كثيرة من توابل الشرق، الذي يذهب زنخة. البيض واللحم النيئ· مذاق النبيذ البيتي كفيل بأن يروض نفور الشهية ويزيل ما تبقى من أثرللزنخة. الوجبة الرئيسية كانت شرائح من اللحم نقعها الطاهي زمنا طويلا في النبيذ الجيد· قدمها لنا على أطباق خشبية، طبلية مستديرة، بعد أن استلها من فوق الجمر· سكين الطعام، خنجر أو شبرية· أكلت كثيرا جدا من لحم الغزال، لدرجة أنني تذكرت أشعب.
بعد وجبة دسمة، امتدت لبضع ساعات، قدم لنا، صاحب المطعم، قهوته المحلية· علامته التجارية، كما قال· أاطفأ الأنوار وجاء النادل يحمل صينية القهوة: كؤوس خزفية، من الحجم الكبير· صناعة محلية، تشتعل، في فوهتها، باللهب المتوهج، يضيء عتمة المكان، ويبطل مفعول البرد· جو رومانسي أخاذ· للقهوة نكهة الكحول ورائحته· ألسنة اللهب المشرئبة من الفناجين، فاكهة الشتاء، كما تقول جدتي، النار فاكهة الشتاء، وإللّي ما يصدق بِنْصلي. مذاق غريب متفرد في نكهته اللذيذة·
في تلك الليلة، عدنا إلى بيت مضيفنا في ساعة متأخرة جدا· سكارى نترنح مرهقين من اللهو والمرح وزيادة في الرقص والطرب· كان قد مضى على نومي، فقط بعض ساعة، عندما جاء مضيفي يحمل الهاتف· على الطرف الآخر كانت تانتشكا·
سلطان النعاس والتعب عطبا لديّ الوعي وعطلا الحواس تماما· على كل حال، كانت المكالمة قصيرة· ومن طرفي، كانت مقتضبة، لم أقل خلالها ولو جملة مفيدة واحدة· اكتفيت: بنعم· لا· وفي الغالب هنهنات·
سألت مضيفي· كم الساعة الآن في جبال الأورال؟ قال: عندنا الخامسة، إذن عندهم العاشرة·
لاحقا، كان، لتلك المكالمة الهاتفية القصيرة، أثر طويل ومفصلي في حياتي···


