(ضحى) رواية شاملة للمأساة الإنسانية، متميزة في أسلوبها، مهتمة بلغتها الروائية الأدبية، تعالج مواقف وقضايا فكرية إنسانية كونية عاطفية.
أنت هنا
قراءة كتاب ضحى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
تنبت بين نتوءات الصخور الجيرية· على علو يقارب ثلاثة آلاف متر· شأنها في ذلك، شأن بيت النسر، خبأه في جرف عال· هي لا تحتاج إلى تربة قط·
قليلة الحجم· نحيفة الساق· زهرتها بيضاء مخملية، ذات حراشف صوفية، في داخلها خمس أو ست تويجات شديدة الصفار، لا يزيد طول الواحدة، منها على خمسة مليمترات· ألوانها زاهية بشكل خاص، ورائحتها فواحة منعشة، تبقى لزمن طويل نضرة، شذية· منظرها في غاية الروعة والجمال·
ربما تكون الندرة الشديدة أعظم صفاتها، فهي تنبت في جبال الكربات وجبال الألب، دون بقاع العالم· حتى هنا فهي نادرة جدا· في الموسم، عندما تبدأ الثلوج بالذوبان، بين شهري تموز وأيلول، يبحث عنها صيادو البراري ومتسلقو الجبال·
العائد بها كـالعائد برأس كليب.
في محطة القطارات، في الساعة الثانية ظهرا، افترقنا· رفاقي في طريقهم إلى الجنوب، يكملون مشروعهم إلى جبال الكربات· وأنا إلى الشمال، صوب لنينغراد·
بين تحسري على ما وعدني به الجنوب، من لذة ومباهج وتجربة فريدة، في مغامرة محسوبة وبين اضطرابي من عودتي إلى الشمال، وما يخبئه لي الغد، قال صاحبي، مازحا: لا تقلق· فقد يهبنا الحظ، في غير موسم، الزهرة.، فهي لك، تقدمها هدية لتانتشكا···
قلت له: استمتع بوقتك ولا تفوت لحظات السعادة· احذروا الذئاب والخنازير البرية والمنحدرات الشديدة، وانهيارات الثلوج والبرد القارس·
قطار النهار ليس فيه عربات نوم· عليَّ أن أتكيف داخل المقعد· لهذا أمقت سفر المسافات الطويلة، في النهار· أمامي، حتى لنينغراد، ثماني ساعات من الأرق والقلق والتفكر في مسائي الآتي، وربما أيامي اللاحقة··· في الحقيقة أحسب لزعل تانتشكا حسابات كثيرة·
هي، في تلك اللحظات العصيبة تستنهض أصولها الألمانية وما بها من حزم وصرامة ووضوح اليقين· تطالب بالكمال ولا ترضى بغير التمام· لا تقبل بأنصاف الحلول ولا أواسط الأمور· تطلب الكل أو تفوت الكل· ليس سهلا إرضاؤها وتكاد تكون مستحيلة زحزحتها عن قناعاتها·


