بدا الطريق القصير بين بيته والمسجد، كأنما هو ميل طويل، مر بمركز الشرطة، استعرض في كل خطوة مئات الصور والأصوات والأيام، الألم يعتصره، تذكر كل شيء عن الطفلة ...
أنت هنا
قراءة كتاب جبل السبع البنات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
في الحزن·· لا يعبأ الناس
كان يحيى، الجندي ذو الزي المدني، مكلفاً بمساعدته وقضاء حاجيات المنزل الضرورية، من الأسواق وخلافها، واقفاً عند باب المنزل ينتظره·
- هل أحضرت كل شيء يا يحيى؟
- نعم يا بيه، ها هي·
تناول قطعة القماش المطويّة· بداخلها الأغراض الضرورية لغسل الميت وتكفينه· طلب من يحيى الانتظار· أخذ نفساً عميقاً· دخل إلى فناء المنزل في حركة نشطة· عندما أخرج الـهواء من رئتيه خرجت معه أنّةٌ عميقة مكبوتة· كان قد ترك ابنته الوحيدة، عند خروجه للعمل في ذلك الصباح، تعاني من حمى شديدة استمرت يومين· لم تنفع فيها أي وصفة للعلاج لتخفيض حرارتها المرتفعة· لم يكن في تلك البلدة طبيب أو ممرض يمكن أن يساعدهم على التغلب عليها· ولم تفلح الوصفات الشعبية المتوارثة في تخفيضها أيضاً·
كاد يطير عقله عندما همس له يحيى في غرفة التحقيق بأن طفلته التي لم تتجاوز السنتين إلا ببضعة شهور قد توفيت· تحامل على نفسه· وبرباطة جأشه التي اشتهر بها قائداً عسكرياً مميزاً، لم يظهر عليه أي تأثر· ردد في نفسه: إنا لله وإنا إليه راجعون· استمر في التحقيق· خشي أن تنحدر دمعة من عينه تكشف ضعفه· لم تنحدر· استمر في التحقيق غامراً كل عواطفه في بحر التفاصيل الطويلة المتعرجة دون أن يشعر الأربعة الحاضرون معه بأن شيئاً غير عادي قد حدث·
- ما أنت؟ من أي حجر صوّان أنت؟
كان دمعها يبلل خديها بغزارة· نشيجها يكاد يخرم طبلة أذنيه·
- اهدئي·· اهدئي·
- كيف أهدأ؟ ابنتك الوحيدة تموت، وتعلم بذلك ولا تأتي· تتركني هنا وحدي، لا أدري ماذا أفعل؟ ·· إن قلبي يتقطع عليها· وأنت لا يهمك شيء إلا عملك·