رواية "الأمريكان في بيتي" للكاتب والقاص العراقي نزار عبد الستار، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر؛ تدور أحداثها حول صحافي ينتمي إلى منظمة سرية عراقية كانت أسست في منتصف القرن الثامن عشر، للقيام بأعمال خيرية وبدعم من الآباء الدومينيكان، إلا أن المن
أنت هنا
قراءة كتاب الامريكان في بيتي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
رسالة توفيق
أخذتُ مناسك من بيت خالتها سعدية في محلة الشيخ أبو العلا، وتوغلنا في أزقة ضيقة لنختصر الطريق إلى صيدلية بلسم في شارع السرجخانة، وهو المكان الذي اختارته امرأة تدعى سندس كي تلتقيني فيه وتسلمني رسالة تحملها من توفيق الحداد·
خمنتُ أن دقتي البصرية يمكن لها تحصيل استنتاجات إضافية لذلك رفضتُ أن تنوب مناسك عني وتحملتُ شتائمها وهي تركل ما تصادفه من مكورات· كانت المدينة القديمة تجعلني أسامح قباحة ذوقها في انتقاء ملابسها التنكرية، وأتجاهل طريقة مشيتها، واستفزازات عدم تحسسها الروائح البشرية المقيتة· أحببت فكرتها عن التأمين على حياتنا بأن نعقد اجتماعاتنا في الأزقة ونحن نمشي· كانت أحياء باب لكش، والميدان، والرابعية، والخاتونية، محصنة بفقرها واختناقاتها، وخارجة عن مديات قنص الموت، وكنا نقطع مسافات طويلة بأقدام متوجعة ونحن نراجع خطط العمل ونتخذ قراراتنا بما تشيعه فينا الأبواب المفتوحة·
استولت مناسك على كل الأعمال التي لا يستوعبها وقتي وأظهرت، اعتمادا على ليونتها وموهبة فضولها الشعبي، براعة في جعل الأمر يبدو كنشاط سكرتاري يخضع لقانون الطوارئ· كانت تفتح بريدي الالكتروني وتتولى بنفسها، دون الرجوع إلي، الرد على ما تعتقد أنها توجيهات حمقاء من هيئة تحرير الجريدة، وتعقد صفقات تبادل المعلومات مع مراسلي القنوات الفضائية، وترسل انتقادات لاذعة، وشتائم رجالية إلى مراكز إعلامية تابعة للجيش الأمريكي عبر إيميلات مختلقة، تستخدمها لمرة واحدة، وتقول عن ذلك إنه تنفيس عن غل ما قبل الموت· كانت تعرف كيف ترضي نزعتي الكلاس، وتدرك أنني أقدّر لها تضحياتها في أن تكون مختلفة تماما عن كل نساء الموصل· تجتهد في أن تكون لينة مثل أخيلتي ومستعدة في كل لحظة للإيمان بما أفكر· لديها حس عميق بالتباهي، توجهه لذاتها، وكأنها تقف أمام مرآة· تنتشي بإلهام التوهج العارض فتبدو، ونحن بين الناس، منفصلة عن العالم ومأخوذة بزهوها الباطني، وكأن الكون كله موسيقى· تتفقدني حواسها بين لحظة وأخرى، وحين تغالي، بحكم العمل والاندماج بالحياة اليومية، في أن تكون مثل النساء المحافظات، أجدها ترتد إلى وجودي، وتستعمل حكمتها الأنثوية وطاقتها الإغوائية كي تستعيدني بسرعة· كانت ترفض اعتراضي على عبوديتها العاطفية، وترى أنني واقع تحت قهر تسلط حنان وعائلتها، وأن علي أن أتمتع بأنوثتها الذليلة كي آخذ حقي من الدنيا· تنتهز شرودي المهني لتحمل عني محفظة أوراقي وموبايلي وعلبة سجائري وهي مبتهجة، وقلبها بحجم بطيخة لإيمانها المطلق أن المرأة خلقت لمناهضة شراسة الحياة والرجل ليروح عن بيضتيه· عملنا معا في مبنى واحد· أنا في التلفزيون أعد النشرات الإخبارية وهي في الإذاعة تترجم مقتطفات مما أعده لتقرأه في نشرة منتصف النهار باللغة الانكليزية· تركنا العمل معا هربا من القصف اليومي الذي يتعرض له المبنى بقذائف الهاون، وتمكنتُ من إيجاد مكان لها في صحيفة مستقبل العراق الأسبوعية قبل أن أستعين بها في عملي مع صحيفة الغد البغدادية·