رواية (العيون السود) للقاصة والروائية العراقية ميسلون هادي الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت الطبعة الثانية عام 2011، تنتمي ثيمة رواية (العيون السود)، لفترة التسعينات في العراق ومارافقها من أحداث تداولتها تلك السنوات وسيطرت على انشغالات ال
أنت هنا
قراءة كتاب العيون السود
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
عن أي ارض يتحدث؟ ظلت لوهلة لا تعرف أين هي بالضبط؟ أعلى الأرض أم تحت البحر أم فوق السماء؟·· أية كتب تلك التي يتحدث عنها وكيف سقطت منها وأين؟ ثم تِكْ·· وانفتح غطاء الأكسجين عن عدة الغوص العميق واندفعت الدماء ساخنة إلى وجهها، ومدت يدها إلى الشاب لتتلقف منه كتبها التي سقطت جميعاً من حضنها وهي في رحلة غوصها في المياه العميقة·· هل ظن أنها غارقة في الحب؟ قالت لنفسها هل ظن ذلك؟· ولكن أذان الظهر ارتفع في جامع قريب، فقال لها حازم أعرف لماذا تحبين آذان الظهر؟ إنه يتوقت مع ظفائرك الطويلة وهي تركض خلفك وأنت عائدة من المدرسة جوعانة·· هلكانة·· وتقتحمين المنزل كما الإعصار لترفعي الغطاء عن قدر الرز، وتتأكدي من أنه قد استوى وأصبح جاهزاً للأكل··
عندما يقول مثل هذا الكلام تلتمع نقطة مضيئة، ستبقى مضيئة في الذاكرة، وتكفي لمحو كل ظلاماته اللاحقة·· عندئذ أخبرته أن أن طبق الرز البرياني لا يقل عبقرية عن مخطوطة ألف ليلة وليلة، وقالت له إن أعظم المخترعين في العالم هم الطهاة·· وإنه ليس الكهرباء ولا السيارة ولا الهليكوبتر ولا الصاروخ ولا الطائرة ولا الكمبيوتر ولا الفاليوم ولا الأسبرين ولا الباثادين ولا الراديو ولا التلفزيون ولا موسى الحلاقة ولا فرشاة الأسنان ولا المكواة ولا السشوار ولا آلة حفر الأسنان ولا الدبوس ولا أحمر الشفاه ولا الهاتف ولا الكاميرا ولا الفيديو هي أهم أعظم الاختراعات في العالم·· أعظم المخترعين في العالم مجهولون·· مجهول أضاف النعناع إلى فطيرة الجبن، مجهول أضاف الزعتر إلى المعكرونة، مجهول أضاف الشبنت إلى رز الباقلاء، ومجهول أضاف الهيل إلى طبق المحلبي، ومجهول أضاف القرنفل إلى رز الجزر، ومجهول أضاف الدارسين إلى الهريسة، وعدة مجاهيل وضعوا ملاعق صغيرة من مسحوق أعواد الكبابة والقرنفل والدارسين والكمون والهيل والفلفل الأسود والزنجبيل مع بعضها حتى اكتملت بهارات البرياني، على طريقة ألف ليلة وليلة، الذي نما واتسع وهو ينتقل من ناسخ إلى آخر، كل واحد منهم يضيف إليه ملعقة من مذاقه الخاص حتى انتهى إلينا بالشكل الذي هو عليه الآن·· هؤلاء هم أعظم المخترعين·· ليس اينشتاين ولا نيوتن ولا أديسون ولا بيل ولا ماركوني هم أعظم المخترعين في العالم، ولكنهم المجهولون الذين اكتفوا بأن تدل عليهم صناعتهم مثلما يدل الكون على الخالق··
خرج مع الخارجين من المحطة ثم اقترب منها·· وتوقف بقربها، ثم وضع الحقيبة التي في يده على الرصيف وراح ينظر في ساعته·· شاب ممتلئ الوجه فارع الطول، يبدو عليه الضجر من حر الظهيرة اللاهب، ولكن وجهه مشدود وكأنه كيكة خرجت لتوها من الفرن·· عندما خلع نظارته الشمسية ليمسح العرق المتصبب من جبهته·· بدا لها الشبه واضحاً ومذهلاً·· وأدركت على الفور لِمَ لفت نظرها منذ الوهلة الأولى التي وقعت عيناها عليه·· إن له جبهة حازم النظيفة العالية وعينيه السوداوين الصغيرتين اللتين تشرقان ببريق حاد فيه نزق المتمردين وجنونهم· عاد فوضع النظارة الشمسية على عينيه فتراجع الشبه بينه وبين حازم قليلاً، إلا أنه لم يمَّح تماماً· لم تستغرب يمامة وجود مثل هذا الشبه بين اثنين من البشر إنما استغربت أن يقع أمام عينيها فجأة ويجاورها هي بالذات من بين هذا الحشد الهائل من البشر الموجود في هذا المكان·· ثم قالت لنفسها لو أن لهذا الرجل وجهاً أكثر نحافة، وغمازة في الحنك، لكان الشبه بينه وبين حازم هائلاً ويبعث على الشك·