أنت هنا

قراءة كتاب العيون السود

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العيون السود

العيون السود

رواية (العيون السود) للقاصة والروائية العراقية ميسلون هادي الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت الطبعة الثانية عام 2011، تنتمي ثيمة رواية (العيون السود)، لفترة التسعينات في العراق ومارافقها من أحداث تداولتها تلك السنوات وسيطرت على انشغالات ال

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
قالت له:
 
- شكراً 
 
انتبه إلى أن مهمة دفع النقود قد انتهت؛ فنظر إليها كالنائم ثم أعاد الكتاب إلى مكانه من دون أن يتفوه بكلمة واحدة·خارج النافذة كان ثمة رجل وكلب يضحكان·· لم يكونا يضحكان·· كانا يفتحان فميهما لاهثين من شدة الحر· وكان الشارع بأكمله يلهث من الصهد·
 
- ضم رأسك عيني·
 
قال سائق الحافلة للطفل الذي كان يتطلع من النافذة إلى موكب رسمي مسرع مر بالقرب من الحافلة، تتصدره وتتأخر عنه سيارتا الشرطة برماشات زرقاء تبرق على سقوفها، ويحف به على الجانبين صفان من الدراجات النارية· زاد سائق الحافلة من سرعته محاولاً اللحاق بذيول ذلك الموكب قبل انطفاء الإشارة الخضراء·· صاح أحد الراكبين:
 
- دير بالك يا معود·· لقد اشتعل الأحمر·
 
لكن السائق مضى في عجاج الموكب محاولاً اللحاق به، على الرغم من أنه قد تقدم عليه بمسافة راحت تتسع شيئاً فشيئاً كفجوة يصعب أو يستحيل ردمها· قال السائق بلا اكتراث:
 
- كان الضوء أصفر ولم يكن أحمر·
 
طفلة من بعيد كانت تقف مع أمها على الجزيرة الوسطية للشارع أفلتت يدها فجأة من يد أمها وأصبحت في نهر الشارع· صاحت يمامة هي والشاب بقربها بصوت واحد:
 
- دير بالك·
 
قالا الجملة نفسه والوقت نفسه·· بدا ذلك أخرق ومثيرا للضحك ولكنهما لم يضحكا·· بل أطبق عليهما خجل ساكت لا مفر أمامه من الابتسام···· ثم سرى من كتفه إلى كتف يمامه تيار من الارتباك يفصح عن اتفاق غير معلن·· إذ يبدو أن كتفيهما كانا متلاصقين طوال الوقت بأشد ما يتحمله حر تلك الظهيرة الشمطاء، مع ذلك لم يحاولا فك ذلك الاشتباك أو يبديا الضيق منه·· إنما صمتا فقط وتركا كتفيهما يقرران ما يشعران به·· وما هي إلا ثوان مضت على تلك الصيحة الخرقاء حتى هتفا فجأة وقالا بصوت واحد مرة أخرى:
 
- نازل·
 
لولا مظهراهما الجادان لاعتقد الآخرون بأنهما مهرجان·ثم أشبعوهما بنظرات فضول بلهاء لا تجد القدرة على التحول إلى نمائم أو تقولات، فغيبها الغبار والهواء اللاهف بعد أن مضت الحافلة وتركتهما نازلين عند الكتف الترابي للشارع ينظران إلى بعضهما البعض باستغراب وشيء من الألفة·· بالتأكيد إنه أصغر مني سنا قالت يمامة لنفسها، وكان وجهه لا يزال مشدودا ومتوردا وكأنه كيكة خرجت لتوها من الفرن، زاده تعب الظهيرة وحرها اللافح حمرة وتوهجاً واشتعالاً·
 
كان العالم قد انفض من حولهما وأصبحا لوحدهما تحت شمس عمودية يمكن لها أن تحول رأسيهما، لو بقيا تحتها لفترة من الوقت، إلى أمخاخ مستوية جاهزة للأكل· ولكن الشارع أنجدهما فتركت لهما حركة السيارات السريعة فجوة قصيرة للعبور إلى الضفة الأخرى من الطريق، حيث كان لايزال بائع السجائر يجلس، ويا للغرابة، أمام حجره الصغير، وقد وفرت له أغصان شجرة اليوكالبتوس سقفا ظليلا يكفي لرأسه بالكاد· لم تكن الصحيفة في حضنه·· وهو البائع نفسه الذي قد سال يمامة في الصباح عندما وقفت بالقرب منه لابتياع علبه مناديل ورقية:
 
- كوفي عنان·· هل هو عراقي؟

الصفحات