تأتي رواية" بغداد مالبورو"، لتشكل المنجز السادس في سياق المدونة السردية الروائية التي أبدعها الروائي العراقي المتميز نجم والي.
أنت هنا
قراءة كتاب بغداد مالبورو
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
عن الطالبات وتنورات الميني جوب، بل الميكروجوب، وكيف أن الحجاب لم يكن أمراً معروفاً، ربما لبسن العباءة لكن حتى هذه كنّ ينزعنها بعد دخولهن الكلية، ويتركنها في غرفة الطالبات· كان عليك أن تشمّ رائحة دخان سجائرهن إذا مررت بشباك غرفة الطالبات، كنت أقول له· قصص سكران بالأحرى، لأنني وفي كل المرات التي جلس فيها معي كنت أشرب· كل صورة أخذها لي كنت أمسك فيها كأس عرق في يدي· لم يكن هو يشرب لكنه كان معجباً بي إلى درجة أنه درس في الكلية نفسها التي درست فيها، كلية البيطرة، الطب الحيواني· في مرة سألته لماذا فعل ذلك؟ فأنا نفسي طلقت مهنتي القديمة واخترت أخرى لا علاقة لها بها؛ ليجيبني: كيف لا أفعل ذلك وأنت الذي قال: إذا كان العالم مستودعاً للحيوانات فإن العراق هو مركزه، فلاحاجة لدراسة الطب البشري· لا أتذكر أنني قلت له ذلك يوماً، لكنني قلت له ذات مرة، بالتأكيد في إحدى لحظات السكر تلك، وقد شطح بي الخيال: هل تعرف كم مرة فكرت بترك مهنتي الحقيرة هذه، مللتها· أريد أن أصبح كاتباً، فعلق بقوله: ولكنها مهنة فاشلة في العراق وفي البلدان العربية عموماً، فبغض النظر عن أنها لا تدر عليك أي ربح؛ فهي تجلب لك المصائب· كنت أعرف إعجابه بي· فمثلما كان يظن أن ما أرويه له قصص من صنع الخيال، خيال شخص سكران يريد أن يصبح كاتباً، ظننت أن إعجابه بي هو الذي جعله يخترع لي الحكايات و ينسب لي جملاً وسلوكاً من صنع خياله· خيال شاب دخل للتو سن العشرين لكي يساعدني ـ رغم جوابه ذاك ـ على تحقيق مشروعي بأن أصبح كاتب قصص· إعجابه هذا ما جعله أيضاً يزورني كلما استطاع، رغم أنني كثيراً ما كنت أقلق عليه أن يحدث له مكروه وهو في طريقه إلي، لكن جوابه كان دائماً: أيها العم الجلوس معك حياة تعادل كل ما يحدث في الخارج من قصص ودمار وخراب· كان مصراً على المجيء، رغم معرفته باعتراض أبيه على الزيارات تلك· وفي الأيام التي لا يستطيع فيها المجيء، في العطل الجامعية مثلاً، عندما يذهب لزيارة أهله، كان عليّ الجلوس وحيداً في البيت لشرب العرق أو الجلوس في مكتبي الصغير في حي الجامعة على شارع أبي غريب مقابل معمل البسكولاتة مباشرة، هل تتذكر؟ المعمل الذي بنته في بغداد شركة نمساوية في الخمسينات؟ وبسبب توقف العمل مؤقتاً أو قلته أو في أحسن الأحوال، لكرهي له، أصبحت ساعات جلوسي في البيت أطول· سرحت الموظفين الثلاثة الذين نظموا عمل المكتب وأبقيت حسن· عامل بسيط يحرس المكتب ويعمل لي الشاي أو المزّة كلما جئت لأشرب هنا لوحدي أو مع أحد الأصدقاء· لكن عندما أبلغني ذات ليلة أن دورية أميركية جاءت في ساعة متأخرة ليلة أمس بسبب صاروخ أطلق عند بوابة البناية، قلت له: حسن، أصبح الأمر خطراً، ومن الأفضل أن تترك العمل أنت الآخر، قال لي: كلا، إنه سيظل هنا، الأميركان عثروا على منصة الصاروخ، والشاب الذي نصبها ليلة أمس يعرفه، وقد ذهب إليه وحذره أمام أهله ألا يكرر ما فعله ليلة أمس، وليذهب ويطلق صواريخه في مكان آخر· لكن إذا كان حسن مصراً على البقاء، ولم أجد أنا سبباً قوياً يستدعيني للتردد على المكان، قلت لأبقيه، فقط رحت أتصل بحسن من وقت إلى آخر، وأكتفي بالجلوس في البيت·