أنت هنا

قراءة كتاب بغداد مالبورو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بغداد مالبورو

بغداد مالبورو

تأتي رواية" بغداد مالبورو"، لتشكل المنجز السادس في سياق المدونة السردية الروائية التي أبدعها الروائي العراقي المتميز نجم والي.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
محمد هذا ـ الذي لا أروي لك هنا قصته عبثاً ـ والذي كان يلبس كل يوم الزي ذاته: زياً رياضياً زيتوني اللون، هو الذي جاء هذه المرة ليخبرني بأن هناك رجلاً أميركياً جاء يسأل عني· حدث ذلك في يوم حار بعد ثلاثة شهور تقريباً على زيارة نمير لي في يوم 28/حزيران 2004، بالضبط في اليوم الذي أعلن فيه للعراقيين عن تسليم الحاكم المدني الأميركي السلطة لهم في بغداد· أتذكر أنني في ذلك اليوم أردت الاحتفال بالمناسبة، طبعاً ليس بمناسبة تسليم السلطات للعراقيين كما قيل رسمياً، هراء، بل بمناسبة هروب الحاكم هذا بطريقة تليق به، فلكي يغطي على تسلله خفية من مطار بغداد بطائرته الخاصة، مثل لص محترف خاف إلقاء القبض عليه، دعا إلى مؤتمر صحفي في مكان آخر، ولأننا نقتنص المناسبات، خصوصاً وأن ليس هناك ما يفرح في البلاد، قلت لأذهب وأشرب نخب الكاوبوي السافل هذا مع زبائن محل المشروبات· في ذلك المساء، وبعد ساعتين أو أكثر من وصولي إلى هناك، ظهر محمد باريس على عادته، وبدل أن يبدأ برواية مغامراته سمعته يسأل صاحب المحل إذا كنت أجلس في زاوية المحل، حتى إن صاحب المحل قال له وهو يغمز له بعينيه، ماذا يا محمد، هل تريد اختطافه وهو لا من الأثرياء ولا من الحواسم؟ بإشارة منه إلى سمعته التي شاعت، ضحك محمد وقال له: كلا، أريده لأمر عاجل، وعندما خرجت له بنفسي سحبني إلى جانب المحل لكي نقف لوحدنا· كانت تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها محمد باريس وجهاً لوجه، بهذا القرب، صحيح أنه في أواسط الثلاثين من عمره، لكنه بدا لي وكأنه في الخمسين، أصلع الرأس، وجهه نحيف غطت نصفه لحية غزاها الشيب، حتى صوته بدا لي منهكاً وهو يحذرني، قال لي: من الأفضل لك مغادرة المنطقة والنوم في مكان بعيد، وعندما حدقت في وجهه مستفسراً عن السبب، أجابني إنه وهو في طريقه إلى هنا رأى قبل دقائق سيارة دوج كبيرة تحمل رقماً أميركياً جلس في داخلها رجل لم يرَ وجهه جيداً، لكنه رآه ينزل ويدق على باب بيتي، رجل طويل وضخم، أسمر، داكن البشرة، لكي لا يقول أسود، على ما يظن· وقوف سيارة تحمل رقماً أميركياً أمام البيت لا يجلب غير المصائب، ثم أضاف وهو يربت على كتفي، في كل الأحوال ولأنني رجل طيب فإنه لن يتردد عن حمايتي· أنت تعرف أين أسكن، قال لي، قبل أن يختفي مع قنينته· 
 
هل تعرف، ربما تعتقد أنه الغرور أو أنها اللامبالاة، أو في أسوأ الأحوال أنه الجهل، ما جعلني لا أحمل ما قيل محمل الجد، لكنني حتى اليوم، وكلما فكرت بالأمر، أيقنت أن من غير الممكن بالنسبة لي التصرف بطريقة أخرى غير الطريقة التي تصرفت بها، ففي تلك الأيام أصبح من الصعب التمييز بين الحقيقة والخيال، الاختراع والواقع، بين الأمنية والزيف· يكفي أن يطلق أحدهم شائعة ما حتى تجدها في اليوم الثاني على كل لسان، كل شيء يعدي في بلادنا، الكذب ومثله النميمة، الحسد ومثله إلحاق الأضرار، الاعتداء ومثله القتل، الاختطاف ومثله الابتزاز، الاغتصاب ومثله الدعارة، نعم، كل الصفات الشريرة تلك تنتقل مثل الفيروس بين الناس، على عكس الصفات الحسنة، لا عدوى تنقلها؛ لأن لم يعد لها وجود أصلاً، الصدق والكرم ومساعدة الآخرين مثلاً، أو الطيبة والكرامة 

الصفحات