تأتي رواية" بغداد مالبورو"، لتشكل المنجز السادس في سياق المدونة السردية الروائية التي أبدعها الروائي العراقي المتميز نجم والي.
أنت هنا
قراءة كتاب بغداد مالبورو
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
والإخلاص هي صفات أصبحت في عداد الماضي، هذا إذا كانت وُجدت عندنا ذات يوم، كل شيء زائف، كل شيء ادعاء، فلماذا كان عليّ التصرف بطريقة أخرى؟ وإذا كنت لم أصدق ما قاله جاري نمير وهو رجل بسيط، لا أجد عندها ما يستدعي الكذب عليّ، فكيف لي أن أصدق ما قاله شخص أراد أن يكون روبن هود العراق، بدل ذلك قلت لنفسي إن البلاد كلها جنت منذ دخول الأميركان حتى الآن، تدهور الأوضاع جعلهم لا يكتفون باختراع القصص لأنفسهم وحسب بل وللآخرين أيضاً، ألم يخترع نمير قصة بيعه للبيت؟ فبعد يومين أو ثلاثة من ادعائه ذلك رأيت بنفسي، وأنا في طريق عودتي من محل الشرب، سيارة بيك أب جلس فيها رجال ملثمون ومسلحون عددهم ستة أو سبعة تدخل بيته· أما القصص التي رواها محمد باريس عن نفسه فلم أصدق واحدة منها، روى مثلاً أن إحدى ضحاياه صبي في الثامنة من عمره، اختطفه لأن أباه كان مديراً سابقاً في مصرف الرشيد، وأن المدير هذا الحواسم، (كما أُطلق على الأثرياء الجدد الذي جمعوا ثروتهم بعد هزيمة أم الحواسم كما سمى النظام الذي ولّى في معركته مع الأميركان) سرق وقت دخول الأميركان بغداد 40 مليون دولار· طبعاً أنا لا أشك أن الرجل هذا مدير البنك لم يسرق 40 مليون دولار، معاذ الله، فهو ما كان حصل على منصبه في العهد السابق لو لم يكن تمتع بموهبة الحرامي، لكن ما هو غير معقول بالنسبة لي ولا يصدقه عقل هو أن محمد باريس أفرج عن ابن اللص هذا مقابل 20 ألف دولار فقط! أو القصة الأخرى التي تقول إنه ربح مئة وتسعين ألف دولار دفعة واحدة من عملية اختطاف رجل ثري بطلب من زوجته، قالت له، إن زوجها ثري كبير عمل مع الابن الأكبر للحاكم السابق، وإنه حصل على جزء من ثروته بعد هروب الحاكم وأولاده، وإنها تريد الانتقام منه لأنه تزوج بصبية، وحسب ما رواه محمد باريس، كانت عملية اختطاف سهلة؛ فوفقاً لتوجيهات زوجته الأولى اختطفناه وهو في طريقه إلى منزل زوجته الجديدة، طرحناه أرضاً وكبلناه ووضعناه في صندوق السيارة ولذنا بالفرار· بعد أيام لم تكتفِ الزوجة بدفع الفدية وأخذ حصة لها بلغت أربعة أضعاف ما حصل عليه، بل إنه منذ ذلك الحين أصبح عشيقها المفضل، ينام عندها متى شاء، يضاجعها متى شاء، وفي كل الأوضاع، من الأمام، من الخلف، من الفم، من كل ثقوبها، كما قال، تحقق له كل ما يريد، حتى إنها لا تمانع إذا كبلها من يديها ورجليها متى شاء· فكيف تريدني أن أصدقه إذن؟ ومن اعتاد اختراع القصص، لماذا عليه أن يكون موثوقاً بما يقوله، حتى إذا كان لقبه الواثق كما في حالة محمد خضر؟ فهل من المعقول أن يأتي أميركي يبحث عن مقاول عراقي بسيط مثلي؟ ربما شغلتني هذه القضية قليلاً لكنني حاولت للمرة الثانية نسيانها، طردها من مخي، وكنت نجحت في ذلك لو لم يتصل بي حسن بعد ثلاثة أو أربعة أيام من مكتبي، ويقول لي بصوت حزين بالكاد حبس دموعه، إن الشاب الذي نصب منصة الصواريخ أمام المكتب ذات مرة جاء في سيارة بيك آب يصحبه أربعة أو خمسة رجال ملثمين، صعدوا إلى السطح لينصبوا هذه المرة منصة صواريخهم على سطح البناية، وعندما طلب منهم النزول صوبوا رشاشاتهم نحوه ، قالوا له، عليه المغادرة فوراً والذهاب إلى رب عمله لكي يخبره، إن المكتب مصادر منذ ذلك اليوم، وإنهم هنا بانتظار زيارة أصدقائه الأميركان· الحقيقة يا أستاذ لا أعرف عن أي أميركان يتحدثون؟ ولا أنا، قلت له، صحيح أنني لم أخبره عن قصة زيارة الأميركي لبيتي، إلا أنني وللمرة الأولى بدأت أربط بين الزيارة المفترضة للأميركي للبحث عني في المرتين السابقتين وبين ما جرى في المكتب، فمن غير المعقول أن حسن هو الآخر يكذب عليّ· الشكوك التي غزتني تلك لم تدم طويلاً حتى تصبح حقيقة، إذ في اليوم الثاني من حديثنا في التلفون رأيت سيارة البيك آب نفسها التي دخلت بيت نمير تقف عند باب بيتي، لا أدري إذا كانت هي ذاتها التي نصبت منصة الصواريخ عند مكتبي، ولا أدري إذا كان الرجال الستة أو السبعة الذين جلسوا فيها، الرجال الذين هددوا حسن أيضاً، هم أنفسهم الذين دخلوا عليّ بأسلحتهم في ساعات الصباح الأولى، وطلبوا مني مغادرة البيت فوراً وهم يصرخون الله وأكبر إنهم مقاومة، قالوا لي، وإن واحداً مثلي يتعاون مع الأميركان لا مكان له في الحياة عادة، وإنهم لن يقتلوني احتراماً لعائلتي· أبوك كان شيخاً فاضلاً، قالوا، وأخوك مجاهد مثلنا· هل تعرف، لقد عشت لحظات مرعبة كثيرة في