في رواية "حلم وردي فاتح اللون" للكاتبة والروائية العراقية ميسلون هادي، نرى أنها في روايتها هذه معنية بتقديم عدة وجهات نظر بالحرب التي قادتها أمريكا ضد العراق من خلال رجل مطارد، وعدة شخوص بينها امرأتان إحداهما تنتقل بعد الحرب للسكن في بيت جديد لتجده يرسم لها
أنت هنا
قراءة كتاب حلم وردي فاتح اللون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
( 1 )
في رأسي أتكوّن من جديد كل مساء نفساً أخرى جديدة، بعد أن أُحاسب الأولى على ذنوبها وأخطائها، ثم أطويها في خلوة الليل فوق آلاف النفوس التي تنام معي كل يوم·· وعندما أستيقط أحياناً، من دون التجدد إلى النفس الجديدة التي يرتاح لها العقل جازماً بالصحيح من الخاطئ، يهتف القلب بأنني كاذبة، لأن الشيء الصحيح سنعرفه في اللحظة نفسها التي نفعل فيها الشيء الصحيح· أقول له: يا قلب، صدقني هذه المرة أني قد انتظرت طويلاً وأنا لا أعرف إنْ كنت قد فعلت الشيء الصحيح فيضحك ويقول إنكِ سألت هذا السؤال مئة مرة من قبل، وبعض الصحيح نقوم به دون سؤال، فدعي جانباً الأسئلة التي يجب أن تبقى بلا جواب
الباب العالي للبيت المقابل مفتوح على غير العادة، وثمة أطفال يلهون على مقربة منه، ونساء ممتلئات القوام يدخلن إلى البيت دونما حاجة إلى قرع الجرس أو التريّث قليلاً قبل فتح الباب·· وتحت السماء يمر الغيم خفيفاً، ثم يذوب وينسحب فيترك خلفه شمساً دافقة ترقص لها أغصان الياس المزروع على شكل قوس يحيط بالباب·· كان يابساً منذ عامين والآن استعاد لونه الأخضر اللماع وعاد إلى الحياة بعد أن شابته الصفرة وتساقطت أوراقه وكاد يموت من شدة العطش· أما جرس الباب فتلك حكاية أخرى، هي كل ما نحتاج اليه لنخلص إلى حكاية أصغر نلملمها في منديل معقود ونرويها للصغار عندما يكبرون········ فهذا الجرس المنطوي الصامت منذ سبع سنوات يبدو أنه قد نطق أخيراً وقال كلمةَ حقٍ· كان هو الشاهد على الفرح والحزن، وعلى الحقيقة والخطأ، وقد مر عليه الشحاذون بالعشرات، الصادقون منهم والكاذبون، ومر عليه المقايضون والعطشى والتائهون والحدائقيون والغاسقون وطلاّب المؤونة الفائضة عن الحاجة· قرعه الأهل والأحبة من الإخوة والآباء والأمهات، وأَعلنَ أخبار التخرج والنجاح بلجاجةِ الضربِ عليه من الأبناء والبنات، ثم عافوه وخرجوا جميعاً فراراً من النار والدمار إلى الشتات وبلدان الجوار···
هذا الجرس هو نفسه الذي خمش القلوب المنتظرة بمخلبه القاسي، عندما كان يقرعه قادمٌ وقتَ الغسق يتبعه خبرٌ مفجعٌ أو تابوتٌ ملفوفٌ بالعلم، فيتوحش البيت ويتحول الى أثر·· فما أكثر ما يَرى، هذا المنادي الصغير المختفي خلف كَلْكَلِ الأشجار، من أحزان وأفراح·· وما أغرب ما يحتمل من سَباَبات العابرين من الغرباء وأهل المكوث من الأحبة والأهل والأصدقاء·· وما أسرع ما يتلقى اللعنات إذا ما كان الغاسق شراً إذا وقب، وما أقل ما يتلقى التقدير إذا كان القارع خيراً إذا نطق·· بيدَ أن وجوده، ذاك الذي لا ينتبه إليه أحدٌ، لأنه خُلوّ من الصفات والإضافات، هو خرافة كل الأحوال والأزمان، والعلامة الفارقة التي تميز البيوت من الخرائب والأطلال· واليوم يتحدث بالحق بعد أن كان صامتاً طوال سنوات عديدة لا يقرعه أحد، وإن قُرع فالكل يفزع ويهرع خائفاً إلى النوافذ·