أنت هنا

قراءة كتاب وحدها شجرة الرمان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
وحدها شجرة الرمان

وحدها شجرة الرمان

تنفتح رواية "وحدها شجرة الرمان" للكاتب العراقي سنان انطون؛ الصادرة عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، بسردية حكائية بسيطة تفاجئك احياناً بانعطافاتها إلى صور حلمية فنتازية، متقطّعة بحسب خطوات السيناريو السينمائي، على مشهديات الموت الذي يلتهم قلب بغداد الم

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
دخل أبي وعلّق سترته في المخزن ثم عاد ودلف إلى الغرفة وجلس على الكرسي الخشبي وأدار الراديو الصغير الذي كان على الطاولة واستقرّ على محطته المفضّلة· تبعته فأشار إليّ بأن أستريح· جلتُ بنظري في المكان ثانية· لا أدري لماذا تخيلت بأننا سنباشر العمل حالاً· قال لي بأن عليّ في البداية أن أراقب ما يقوم به وما يقوله هو وحمّودي لأسابيع كي أتعلم ويمكن فيما بعد أن أبدأ بمعاونته و بمناولة ما قد يطلبه مني ولن أغسل إلا بعد أن أتقن العمل وأستوعب معانيه· هززت رأسي بطاعة· بعد نصف ساعة وصل حمّودي الذي كان يعاون أبي منذ صغره وسأله إن كان هناك ما يمكن أن يفعله، فطلب منه أبي أن يكنس المكان ويفحص الدواليب ليتأكّد من توفّر كل المواد وإن كانت هناك نواقص وحاجة لشراء المزيد من أي شيء· قال لي أبي بأن أذهب معه ففعلت· راقبته وهو يكنس الأرض حول الدكّة وفي الزوايا ولم يكن هناك حاجة للكنس· بعد أن أعاد المكنسة إلى المخزن، بدا متحمّساً وهو يشرح لي الأشياء وأماكنها· ارتسمت السعادة على وجهه وهو يستعرض معرفته بكل زاوية من زوايا المكان بأسرار المهنة· فهو لم يكن الوحيد في عائلته الذي يمتهنها· فأمّه كانت مغسّلچيّة (للنساء)، تشرف علي مغيسل للنسائ في ظهر محلنا بابه الأمامي في الشارع الموازي· كان حمّودي أكبر منّي بخمس سنوات· مات أبوه عندما كان في الثالثة من عمره وتزوّجت أمّه من رجل ثان بعد سنتين، لكنّه تأسّر في حرب إيران حيث كان من ضمن قواطع الجيش الشعبي واعتبر مفقوداً لأنه لم يعد بعد نهاية الحرب· ولم يتزوّجها أحد بعد ذلك إذ كان الناس يقولون بأن كل من يتزوّجها سيموت· طلبت أم حمّودي من أبي أن يعمل ابنها معه ووافق· كان حمّودي قد ترك الدراسة بعد الصف الرابع الثانوي ليساعد أمّه وكان قد أعفي من الخدمة العسكرية بسبب العرج الذي في رجله اليمنى والذي أصيب به بعد أن صدمته سيارة مسرعة وهو على دراجته في أحد شوارع الكاظمية· أعطاني حمّودي جولة سريعة أطلعني فيها على كل الدواليب وأشار إلى السدر والكافور والقطن والأكفان وبقية المواد· ثم ذهبنا إلى المخزن حيث توضع المناشف وكرتونات الأكفان وكميّات احتياطيّة من السدر والكافور والصابون وفرن صغير بعين واحدة لعمل الشاي وتسخين الطعام· 
 
عدنا إلى الغرفة المجاورة وجاء حمّودي بكرسي ثالث من الحديقة ووضعه في الغرفة·طلب أبّي منه أن يعد لنا الشاي· جلست أنا على الكرسي أتصفّح جرائد من اليوم السابق كانت على الطاولة· عاد حمّودي بصينيّة الشاي ووضعها على الطاولة· فاح عطر الهال· كان أبي طربا لصوت زهور حسين القادم من الراديو ومن الماضي· تداخلت أصوات ملاعقنا الصغيرة وهي تحرّك الشاي في الأقداح الصغيرة وتسرع في ذوبان السكر فيها· ارتشفنا الشاي ووضعنا الأقداح على الطاولة واحداً بعد الآخر· أخذ حمّودي صفحة الأخبار الرياضيّة من الثورة وخيّم هدوء نسبي أنهاه بعد نصف ساعة صوت ضجيج أعقبته طرقات قويّة على الباب· هبّ حمّودي نحو الممر الذي يؤدي إلى الباب وسمعت صوته يفتح· سأل صوت ذكوري عمّا إذا كان هذا هو المغيسل فقال له حمودي بلي وطلب منه أن يتفضّل· قال له الصوت بأنهم سيذهبون إلى السيارة لجلب الميت· أغلق أبي الراديو ووقف وأخذ يسير نحو الباب· وضعت أنا الجريدة على الطاولة ونظرت إلى أبي لكنه بدا وكأنّه غير آبه لوجودي· بعد خمس دقائق عاد حمودي وتبعه رجلان يحملان شرشفاً أبيض كبيراً بدا أن الميت كان ملفوفاً به· أشار لهما حمودي بأن يضعاه على الدكّة ففعلا·
 
كان الناس يجيئون بالموتى بعد استصدار شهادة الوفاة من الطب العدلي والتي كان أبي حريصاً على قراءتها قبل الشروع بعمله·كان الرجل الأوّل بعمر أبي في بدايات الخمسينيّات وقد بدأ الشيب يلوح على شعره الأسود وطرفي شاربه· بدا على بياض عينيه البنيتين احمرار من بكاء أو تعب· الثاني كان يشبهه في الملامح ولون الشعر ولكنه كان أصغر، بشارب ولحية خفيفة· كانا يرتديان السواد·سأل الرجل الأول أبي عن الأجر فأجاب: إكرامية، هلّي تگدرون عليه وكلفة الكفن، بس بعدين وسأل: منو المرحوم؟ فقال الرجل بأنّه الأخ الثالث وقدتوفّي بالجلطة·
 
- لا حول ولا قوة إلا بالله· االله يرحمه والبقاء في حياتكم·
 
فأجاب الكبير:
 
- ويرحم والديك·
 
لم يقل الصغير شيئاً· طلب منهما أبي أن يجلسا على المصطبة أو أن يقفا إن أحبّا وأعلن بأن الغسل والتكفين سيستغرقان حوالي ثلاثة أرباع الساعة· لم يقل الرجل شيئاً وظل واقفاً بجنب أخيه على بعد ثلاثة أمتار من الدكّة· إتّكأت أنا على الحائط من الجهة المقابلة بقرب غرفة الجلوس· 

الصفحات