رواية "إحداثيات الإنسان"؛ من الصعب اختصار ما تحاول هذه الرواية قوله، وهذا يعود إلى طبيعة أحداثها وخيالاتها التي تدور في السجن، بفضائه الوجودي الأوسع، ليس الزنزانة كموقع، بل كرقعة لا يمكن النظر إليها إلاّ من خلال علاقات "طوبولوجية" كثيرة ومتشابكة - مقادارية
أنت هنا
قراءة كتاب إحداثيات الإنسان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
على العموم يزعم السنجك أنَّه كلما اختار لمسيره اتجاهاً يجد أنَّ الأرض أمامه تحتفظ بظلوف مَنْ مَرَّ عليها من الأحياء.وعلى ظلوف
الموتى غرقاً في الطين بلغ هو الخرطوم.فوجدها ليست داعرة فحسب بل جَبَّانة ذكور.قبلها كحاضرة بلا ماضٍ، واحتمال أنه غفر لها
ماضيها كتنازلات استعمارية ستخلص مالها باسم التعويضات مستقبلاً.المضحك أن حاله الآن كحال رجل أراد أن يصرّ الدنيا في ثوبه
فجلس لها على الأرض وفَرَدَه، ثم نهض وانطلق مطمئناً في الحياة؛ ليكتشف بعد نفاد عمر أنه ترك الدنيا في مكانها وصَرَّ حصاةً مع
زبل غنم.قاتل الله الخرطوم، لقد اضطرته للمحافظة على تهذيب المكتبات كي لا يُشَرِّف الموت جوعاً، وصَيَّرته حماراً كما يجب
ليحمل أعباء الحياة ويُشَرِّف كلية الآداب لفترة محدودة.فالزعم الثاني مباشرة أنه طُرِدَ من آداب الخرطوم في أحداث سياسية لا يجد لها
اسماً ذا اتساعٍ يليق بضخامتها.كما إنه لم يأسف على شيء.لأنه بشكل أو بآخر رجل موهوب ولن يخسر الحياة لأي هزيمة كانت.لا
شيء هنا يستحق الملاحظة، فالسنجك قد انتقل إليه مرض الادعاء من أبيه، والبلاد أصلاً مصابة بداء سياسي غريب، ليس له دواء إلا
تسمية الأحداث السياسية بالأعوام، لأنها الشيء الوحيد الذي لا ينفد، وكذلك تزييف اسمها كثيراً من كَونِهَا أحداث تخريب عشوائية حين
يُطْلَق عليها لقب أحداث سياسية.في إحدى المرات التي كان يتحدث فيها بشرى محمود عن عجز أمثاله في أن يضعوا نهايةً لما يُسَمَّى
بالأحداث السياسية.
كانت جمهرة من المساجين تجلس، دون ترقُّب ودون انشغال،..
أحداث عام كذا يا بشرى كان خيراً منها وقوف الليل بطوله لتعديل صلب الحاكم ليقاصد صلب زوجته،..
يقولها سجين لبشرى محمود، كما يُحَدّد له بالأرقام ذلك العام المعني.تغلب على السنجك انحشاريته، بدعوى المجاملة، يتباهى،..
على كل حال لن يفوق عقوقها تلك الأحداث التي شهدناها في جامعة الخرطوم
في أي عام كانت تلك الأحداث؟، يسايره بشرى،..
لتتسع إجابته: بل قُلْ في أي قرون كانت يا بشرى؟ لم يكن عاماً.لقد كانت كل الفترة التي يزحف فيها القرن العشرون حتى يبلغ أواخر
الواحد والعشرين.
ضحك كل الذين كانوا من حول السنجك إلا بشرى.فإنه سيضحك يوماً ما عندما تستوي هذه العبارة كنكتة بالفعل.فالله لا يقول للأرض
كوني وطناً بالساهل.
مما يحكيه السنجك أيضاً أنَّه عَمِلَ مُدَرِّساً بالثانويات؛ وأنَّ تلميذات مدرسة ما كَتَبَنَ له على السبورة،..
القميص والبنطلون نفساهما
ليكتب هو في المقابل،..