رواية "إحداثيات الإنسان"؛ من الصعب اختصار ما تحاول هذه الرواية قوله، وهذا يعود إلى طبيعة أحداثها وخيالاتها التي تدور في السجن، بفضائه الوجودي الأوسع، ليس الزنزانة كموقع، بل كرقعة لا يمكن النظر إليها إلاّ من خلال علاقات "طوبولوجية" كثيرة ومتشابكة - مقادارية
أنت هنا
قراءة كتاب إحداثيات الإنسان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
اسمعْ، ارفعْ لي تقريراً بذلك.وإنْ لم تأتني به فَمُتْ من تلقاء نفسك ولا تضطرني لقتل أحد،..
أمرك يا فندم،..
جاءته من خارج المكتب وبصوت متخابث.وعاد هو ليدّعي الغرق الصوفي من جديد.
لم يفت السنجك أنَّ مقدمة ابن خلدون قد اختفت من فوق مكتبه.وبرغم ذلك انشحط في مكانه ولم يتحرَّك، كمحراث بلدي شَدَّته الثيران
حتى تقَطَّعت حبالُه، ثم تركته مغروساً في الهجير وحيداً وولَّت هاربة، وحتماً لن تعود إلى شقاها.
تَفَحَّصَ السنجك مكوّنات مكتبه،..
ثلاثة كَرَاسيّ كشرك الطير تماماً.. إما أن تباغتك بمصير مجهول، وإما أن تطردك على الفور.خزانات كتب مفكّكة استخدم سائر
الحيل ليحشر سرير نومه بينها.مرآة متوسطة الحجم ومسكونة بالأرواح؛ فحركة الأشباح فيها لا تنقطع أبداً.ترتفع بجانب مكتبه
مباشرة.ربما يستخدمها كمقبرة لوجوهه الميتة، فما إن تقترب منها حتى تصدمك رائحة الحنوط.أو ربما يُحَدِّد بها من خلال رؤية
وجهه في أي زمن هو.
بعض لوحات عميقة رُكّبت في الجدران المتصدعة على نحو مؤقت.هذه اللوحات تحسب لصالح مجهولية المكان أكثر من زينته.هنا
ينام ويأكل ويعمل! ما أسهل ترحيل دنيا السنجك.
قَلَبَ السنجك عينيه فخرجتا من محجريهما يصحبهما صليلٌ ولمعان، خروج خنجرين من غمدهما، تطلّع بهما ذابحاً الفضاء خارج
النافذة، ثم تمتم بذهول،..
ليس هنالك مَا هُوَ أدعى للتأثّر من بكاء رجل وحيد في بلاد غريبة ونائية.لا أدري متى تعتقني رائحة هذه الغرفة وألحق بالأيام.. ما
أغباك يا سنجك.. الشمس دائماً غربك تُجَدِّف في الغيوم.يا حليل ماريا.لكم هي الدنيا ضَيِّقة ولا تسع لجناح واحد عندما لا نعثر فيها
على الحب أو نفقده،..
شَخَصَ السنجك ببصره ناحية المكتبة فلاحت له كسفينة تغرق في الملح، ولا يحول بين أخشابها المتحطّمة وبين قاع البحر إلا أفواه
الحيتان، تستلبه فوضويات تلك الحالة ليواصل،..
المادية، المثالية، الوجودية، النسبية،.. وكل ضروب الهرطقات.. لا تعني أي شيء في غياب المرأة.لقد عشت مع ماريا حياة حقيقية،
اعتبرت معها حياتي السابقة ضرباً من ضروب التجريب.لم تكن المرأة أم ساقين التي نعرفها.بل فكرة المرأة نفسها في ذهن الخالق.
لقد كانت فارهة كالمعابد القديمة، كمصبّات الأنهار الخالدة، فارهة كثيراً وعلى غير طريقة البشر.إنه لشيء مؤسف ألاّ ترحل حبيبتك
إلى الأبد.ليس ثمة شيء على الإطلاق يرحل أو يبقى إلى الأبد،..
تأمَّل المأمور وجه السنجك فوجده كأنحاء أفق فوق المياه، خلا قبل قليل من النوارس.الرجل كان يستغيث بالفعل،..
لماذا تركتها إذن لو كانت تهمك؟، يسأله المأمور،..
السنجك كان لأول مَرَّة يكتشف أن ساقية الدم التي بأعماقه هي ذاتها القلب.إذ إنَّ المراسي تَعَلَّقت بألسنة الموج، وكل مكان أضحى في
عرض البحر.ينهنه، باتجاه المأمور الذي لن يفهمه في هذا الشوط من عمريهما،..