كتاب "ذاكرة الطين" - قراءة في دلالات النصّ السياسيّ والثقافيّ في العراق؛ هو إصدار فكري جديد، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر للعام 2013، و إصداره هذا يقرأ تاريخ وحاضر العراق في جميع المراحل التي وصفت بأنها دموية وقد خلفت حزنًا تاريخيًا لا انقطاع له في ا
قراءة كتاب ذاكرة الطين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
إن إشكالية تراكم القهر وفرض الرأي الواحد أنتجت مجتمعا مقهورا غارقا في العقدة غير محاول فكها، لأنه غير متاح له ذلك عبر التاريخ، ولأن عملية الهدم أسهل وأسرع بكثير من عملية البناء ـ هدم الإنسان وبناؤه ـ وكل مفردة من مفردات الماضي والحاضر هي بالضرورة نواة لمستقبل مماثل إلا بعملية قيصرية شاقة تعيد بل تخلق توازنا جديدا يكفل صفحة جديدة في حياة الأجيال القادمة·· لقد انتفت من حياة العراقيين مفردات يومية كانت في كل مكان في العالم ضرورة قصوى تؤشر إلى الحياة، مثلا شيوع محلات بيع الزهور أو حديقة المنزل التي يجد أهله وقتا لسقيها، السينما، مثلا، فنان مسرحي عراقي تختاره الأمم المتحدة سفيرا للنوايا الحسنة، أو ـ مثلا ـ بيئة اجتماعية مرتاحة يستطيع أفرادها تنسيق الألوان في الحياة اليومية بكل تفاصيلها··· إن هذا لن يتحقق مع سيادة عقلية الحاكم الذي حتى وهو في قفص الاتهام يفتخر بل ويطالب بحقه حين يقول للقاضي الذي يسأله إجرائيا عن اسمه: أنا رئيسك ثلاثون سنة! وكأنه يقول من حقي عليك أن أبقى رئيسك لأنني أمتلك خبرة في العمل الرئاسي! وأنكم من بعدي لا تعرفون كيف تديرون البلاد، أنا وحدي أعرف وأستطيع!! وتشق هذه الكلمات طريقها بسرعة مذهلة في الخطاب اليومي العام بل حتى الثقافي والسياسي فيرددها البعض بقناعة فائقة···
ثمة اعتراف لا بد منه في هذه اللحظة، ربما يتلخص بسؤال: هل هذه البقعة الجغرافية التي اسمها العراق غير قادرة على الحياة؟ هذا سؤال عام! وإذاً: هل التعددية هي التي تقض مضجعه عبر التاريخ؟ وهل التاريخ هو السبب في ما حدث ويحدث؟ وهل التقسيم سينقذ أهل المكونات من الموت المجاني والتقهقر وعدم مواكبة العالم؟ وهل غياب الألفة بين مكوناته سببه الإفراط في الألفة ذاتها التي عُرف بها العراقي؟ لكن السؤال الأكبر هو: هل غياب التعريف الواضح والمحدد للعراق هو السبب في هذا العذاب الأبدي أو الذي يبدو أبديا على هذا النحو؟؟ وفي اللحظة ذاتها ثمة سؤال آخر يقفز في مواجهة الموت: أين نذهب إذاً بكل هذه الأغاني الجميلة؟ والقصيدة التي ولدت أول مرة في الحياة هنا، وصولا إلى الريادة الشعرية؟ والمجلدات التي علّمت العرب والعالم أبجدية القانون والطب والفلك والرياضيات؟ وأين نذهب بالمستقبل؟
***
هذه الكتابة لي·· لقد اختزنتها طيلة ثلاثين سنة، لفرط ما عشت تفاصيل الحداثة والتجديد، بين مدن ووجوه وحالات وظروف ومواقف وتغيرات كونية في أكثر المحطات حيرة من العمر· نعم (حيرة) لأن الوطن بقي في قيود الماضي، وكأنه لم تمر عليه خمسون سنة الماضية، لقد مرت على الجميع إلا هو!
وحين أكشف عنها اليوم، فإنني أقرأ أولا ما يقوله الدكتور عبد الله إبراهيم (إن كتابة المنفى تخفي في طياتها إشكالية خلافية كونها تُشكّل عبر رؤيةٍ نافذة ومنظور حاد لا يعرف التواطؤ، فتتعالى على التسطيح وتتضمن قسوة صريحة من التشريح المباشر لكل من الجماعة التي اقتلع منها والجماعة الحاضنة له· لكنها كتابة تنأى بنفسها عن الكراهية والتعصب والغلو، وتتخطى الموضوعات الجاهزة والافكار النمطية، وتعرض شخصيات منهمكة في قطيعة مع الجماعة التقليدية، وتنبض برؤية ترتد صوب مناطق مجهولة داخل النفس الإنسانية· وتتسم كتابة المنفى فضلاً عن كل ذلك بالقلق الوجودي ويسكنها الحراك والانشقاقية والسخط وفيها تعوم الأسئلة الكبرى)·