في كتاب "المحاورات السردية" للكاتب والباحث العراقي د.
أنت هنا
قراءة كتاب المحاورات السردية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
موقف الإسلام من السرد
حوار: إياد الدليمي وأبو طالب شبوب
من مدينة النار الأزلية، من كركوك العراقية، جاء عبدالله إبراهيم، حاملا أكثر من وجهة نقدية وفكرية ساعيا إلى إعادة قراءة النصوص القديمة والحديثة، متوسّلا بالنصوص وصولا إلى الحقائق الرمزية، سالكا طريق التحليل، وتفكيك تلك النصوص بعيدا عن أية وجهة نظر مسبقة قد تؤدي إلى وقوعه في شراك الانحياز، أو تقديم تلك النصوص بطريقة تفضل هذا على حساب ذاك· لم يقرأ عبدالله إبراهيم النصوص القديمة والحديثة كما قرأها آخرون، ومن هنا جاء تميزه· لقد فهم النص فهما لم يشاركه فيه إلا القلائل من المفكرين والنقاد العرب، ورغم ذلك وقف حذرا، فهو يرفض، رغم كل ما أوتي من قوة حجة وفهم لتلك النصوص، أن يصدر عليها أية أحكام، ويعتقد أن مهمته هي تقديم النص وتفكيكه وتحليله بعيدا عن الأحكام·
- من أفكاركم اللافتة القول بأن الإسلام تحوّل إلى معيار قيمة في الحكم على الموروث السردي القديم، فما وافقه استُبقي وما خالفه استُبعد، هل ترى بأننا خسرنا جزءا مهما من ذلك الموروث؟
- إذن نحن نبدأ بقضية مهمة جدا، قضية إشكالية، فحينما تصبح العقيدة الدينية دعامة للمؤسسة السياسية، فإنها تقوم باجتثاث الموروث الروحي والعقلي الذي سبقها، وهو أمر ينسحب على المؤسسات القائمة على الإيديولوجيات أيضا، ونجد له تجليات لا تحصى في العصور القديمة والحديثة· يوصف الماضي عند الأديان والأيدلوجيات بأنه مرحلة فوضى فيما تكمن الحقيقة المطلقة في العقيدة أو الأيدلوجية الجديدة· وبظهور الإسلام على أنه مؤسسة دينية - سياسية فقد سعى لجبّ ما قبله من العقائد والأخلاقيات، وكانت المرويات السردية الجاهلية تمثل ما امتلكه العرب من عقائد وثقافات وأساطير، نقض الإسلام الحامل(المرويات السردية) والمحمول (العقائد القابعة فيها)، وبذلك اقترح وظيفة دينية للقصّ، ونفي ما يتناقض معها·
- كيف وقع ذلك؟
- تلك حكاية طويلة ومريرة، فقد أدّى الانعطاف التاريخيّ، الذي مثله ظهور الإسلام، إلى إقصاء الجانب الأساس من المرويّات السرديّة الجاهليّة؛ لأنها استثمرت وقامت بتمثيل العقائد القديمة، أي أنها عبّرت عن البطانة الدينيّة للمجتمع الجاهليّ· أمّا الأجزاء التي وصلتنا، فمثّلت الجانب الذي أذعن لضغوط الدين، واستجاب له، فتكيّف معه بأن انطوى على مواقف اندرجت في خدمة الرسالة الدينيّة· وهذه العمليّة المزدوجة من الاستبعاد والاستحواذ عطّلت أمر البحث الموضوعيّ في أصول المرويّات الجاهليّة، وطبيعتها، بوصفها مرويّات كاملة الصياغة، ليس فيما يخصّ العصر الجاهليّ، بل في الثقافات الشفويّة كافّة، ولعل أكثر المداخل عمليّة وفائدة في فحص طبيعة المرويّات السرديّة الجاهليّة، أن يتّجه البحث إلى السمات الأسلوبيّة، والتركيبيّة، والدلاليّة، للنثر القرآنيّ والنبويّ باعتبارهما صورة ممّا كان شائعًا من تعبير نثريّ آنذاك·
أدّت تلك التحوّلات إلى انكسار شديد في زاوية الرؤية، إذ انتقل الموروث الثقافيّ من وسط جاهليّ كثيف إلى وسط إسلاميّ شفاف وكانت درجة الانكسار كبيرة بين الوسطين، الأمر الذي أدّى إلى إعادة إنتاج المأثورات القديمة أو إقصائها بما يوافق الوسط الجديد الذي اقتضت رؤيته للعالم بأن ينتخب ما يمتثل لتلك الرؤية، ويستبعد ما يؤثر سلبا فيها· طبعت التناقضات التاريخيّة-الدينيّة مظاهر التعبير السرديّ بطابعها المتحول؛ لأنه كان حاملا لمنظومة قيميّة مغايرة، فجاءت الرسالة الإسلاميّة لاستبعادها، أو امتصاصها، فأقصي الحامل كما أقصي المحمول·
- هل توافق الرأي القائل بأننا خسرنا جزءًا هائلا من الموروث الثقافي؟
- لكي نعرف ما استبعد ينبغي أن نعبر حاجزين صار من المتعذر علينا عبورهما من ناحية واقعية، هما القرآن الكريم، والتدوين· جاء القرآن على وفق التفسير الرسمي بديلا للفوضى السابقة، فحجز بيننا وبين معرفة حقيقة ما كان قبل ذلك، ثم بدأ عصر التدوين في ظل المؤسسة الدينية فاستبعد ما لا يتوافق وشروط الإمبراطورية الإسلامية· قام التدوين بعملية تنقية للموروث القديم، وصفّاه من العقائد والأديان· ومعلوم بأن عقائد الأولين وصفت بأنها أساطير، وجاء القرآن على ذكر نُبذ منها في سياق الذمّ والانتقاص· تمركزت دلالة أساطير الأوّلين حيثما وردت في سياق الخطاب القرآنيّ، حول معنى محدّد، هو أحاديث الأوّلين، وأخبارهم الكاذبة التي سطّروها، وليس لها حقيقة، وأباطيلهم، وأسمارهم التي كُتبت للإطراف والتسلية حيثما ورد ذكر لأساطير الأوّلين ارتسم أفق الذمّ، إنها أباطيل ينبغي محوها، والتخلّص من ضررها، لأنها تذكّر بحقبة تاريخيّة انتهت·