المجموعة القصصية "غرفة في تل أبيب" للكاتب الفلسطيني راجي بطحيش؛ ثمة لحظات غريبة، ومربكة، وكئيبة نوعاً ما... تلك اللحظات الأولى التي يجد فيها المرء نفسه وحيداً في غرفة.. في فندق... في مدينة ما... لحظة موحشة بغض النظر عن طبيعة هذه الغرفة..
أنت هنا
قراءة كتاب غرفة في تل أبيب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
هيثم
اشتقت لزافين···
هذا ما ردده هاني الذي تلقبه أمه بهنوش لنفسه وهو في طريقه بسيارة الأجرة التي أقلته من المطار شبه المهجور في أطراف ولاية يوتا الى الفندق الذي لا تحيط به سوى حقول الذرة ··· حقول ذرة لا تنتهي وسهول شاسعة وكأن الاختراع الذي يسمى جبالاً كان قد ألغي فجأة من الوجود···
دخل هنوش الى الغرفة التي استأجرها عن طريق الإنترنت في أطراف يوتا ليقضي فيها بعض الوقت ريثما يستلم شقته الجديدة، التي أستأجرها عن طريق السفارة في إطار منحة الدكتوراة التي حصل عليها لثلاث سنوات في جامعة يوتا في موضوع علم نفس ما بعد الصدمات
وفعلا فقد كانت صدمته كبيرة جدا ··· فكل شيء وكأنه نسي أن يكون ··· موت وحقول ذرة··· وعربات تجارية ومطاعم همبرجر منسية ولا أحد يمشي في الشارع··· أين الناس؟؟؟ أين بلاد العجائب؟؟؟··· ثلاث سنوات··· أي عجيبة تعيدني الآن الى عصرونة شجية في حينا الحبيب في ديانا ··· هذا ما صرخت به نفس هنوش وهو يضع حقائبه التي أعدت للسنوات الثلاث أرضا··· ثلاث سنوات ··· اشتقت للناصرة ولأمي ولنانا ومنال وميرا ···· اشتقت حتى لزعران البلد، أتمنى أن يضربني أحدهم الآن ويهشمني- لأنني لم أعطه مجالا لتجاوزي بعربته- على أن أكون هنا···
هنوش الذي حارب بشراسة للحصول على هذه المنحة في أمريكا وقضى معظم العام المنصرم بين الناصرة وتل أبيب، حتى إنه حفظ معظم ملامح الطريق عن ظهر قلب، وكل ذلك من أجل إتمام إجراءات المنحة· والطريف أن قبوله النهائي للمنحة جاء في يوم الأربعاء 21 تموز أي في يوم اندلاع الحرب···· ومن يومها لم يذهب الى تل أبيب بل ظل في الناصرة يتابع الحرب وينتظر صفارات الإنذار ويتهيأ للسفر، حتى إنه لم يدقق تماما بتفاصيل المنحة جغرافيا ··· المهم أنها عبر البحار ··· في أمريكا··· وانتهت الحرب وجاء موعد السفر بعدها بعشرة أيام ··· وهكذا···
الحرب··· هذا الصيف المجنون ··· وكأنه تكاثف خصيصا كي يذكّر هاني مرة واحدة وللأبد بالفرق بين المكان واللامكان··· الحرب ··· الصواريخ ··· المجازر في الجزيرة ··· بين بيروت الحبيبة وحيفا··· هذا الحوار الأسطوري المؤجل ··· التجاهل الصارخ للحرب في الناصرة ··· صفارات الخامسة مساء والانفجارات المريبة··· السادس من آب ··· الرابع عشر من آب في الساعة الثامنة··· وها هو يذكّره وبامتياز ····
استلقى هاني على السرير بعد أن شعر أن صخرة عظيمة تجثو على صدرة وتدفعه نحو جب أسود عميق ··· عميق جدا··· هاك لحظة من الوحدة النظيفة الخالصة التي لا يشوبها شيء ولم يتم خلطها بأي عنصر مخفف ··· وحدة أصلية بكر··· أجهش هاني ببكاء مرير يبكيه المرء لنفسه عندما يكون متأكدا أن لا أحد يسمعه ··· ولا أحد سوف يسمعه··· أبدا ···