رواية " العريضة " للكاتبة القطرية نورة آل سعد؛ و نقرأ من اجواء الرواية : هل بإمكان حادث طارىء وعابر أن يجردها من حياتها ؟
قراءة كتاب العريضة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
لندن الضباب والأغراب
شعرت عائشة في لندن بالارتياح والتحرر من العديد من القيود السخيفة، وكان ابتعادها عن قطر أهم حدث وقع لها منذ ولدت؛ فقد ابتعدت عن كل أحداث حياتها؛ وهكذا فقدت كل الأحداث وزنها وتأثيرها و·· معناها وكأنما ولدت عائشة من جديد· ذات يوم سمعت من إحدى السيدات أن زوجها أخبرها عن اجتماع لمفكرين وكتاب قوميين عرب في لندن، ومن بينهم شخص من قطر، لم يكن ذلك الشخص سوى صالح بن أحمد، ولم يكن الملتقى إلا في فندق في وسط لندن متاخم لمطعم اعتادت عائشة أن تلتقي فيه رفيقاتها· بإمكانها أن تخبر (بوسالم) أنها ستلتقي هناك ببعضهن، وسوف ينزلها السائق أمام المطعم ذاته ثم تخرج بعد هنيهة وتسير مشيا إلى الفندق· كانت عائشة مترددة ومع ذلك تصرفت وكأنها ستحضر حتما ذلك الاجتماع غدا· استعدت لجميع أسئلة (بو سالم) المحتملة، واختارت ما سوف تلبسه (وكان ذلك على أكبر قدر من الأهمية بالتأكيد)، وتخيلت عشرات السيناريوهات لدخولها ولالتقائهما العفوي· ربما تمنت عائشة أن تصبح عضواً ناشطاً في جمعية أو لجنة من لجان تحرير المرأة العربية، كانت ستصبح حينئذ قرينة أو مكافئة لصالح وعالمه الذي ينتمي إليه· بيد أنها لم تخرج في ذلك اليوم من البيت، وقضت سحابته في أسوأ مزاج؛ مستثارة وحانقة، وافتعلت شجاراً مع (بوسالم) حالما وصل مساء لكيلا تنام معه في المكان نفسه·
عاشت في لندن أجمل ايام حياتها· كان زمناً مضطرباً حقا، ولكن تنوعه وتجاربه كانت نقلة نوعية لشخصية عائشة المرقابية التي انتقلت من الدوحة إلى لندن في طفرة كبيرة في حياتها أعادت إليها بعض الحيوية التي لن تتكرر· في أول وصولها إلى لندن انكفأت على نفسها فترة من الزمن، لكن سرعان ما اقتحمت زوجات الدبلوماسيين العرب صدفتها بالقوة ووجدت نفسها في وسط ليال احتفالية وولائم منتظمة، ودعوات لابد من تلبيتها، وصداقات ورفقة لابد منها! أحاطت بها العلاقات التكافلية الاجتماعية العربية الطابع إحاطة السوار بالمعصم؛ كانت علاقات تجري بإلزام وتقاليد لا فكاك منها·
اكتشفت عائشة أن السيدات العربيات يعشن في الغربة بازدواجية كالرجال تماما، وفي تلك الجلسات الحريمية كان الحديث غالبا ما ينحرف إلى الحديث إلى الرجال الأزواج والرجال عموما! من يقول إنه من السهل استجلاء صورة المرأة في الثقافة العربية؛ إنه من المتعذر استجلاء مفهوم الأنوثة عند المرأة، ما دامت المرأة ذاتها غير مستعدة وربما غير راغبة في التعبير حقا عن مكنونها وحقيقتها؛ فقد يقع ذلك غالبا في غير خانة مصلحتها المتوخاة!
عبثا بحثت عائشة عن نفسها في الروايات التي كان يكتبها آنذاك الرجال! (ولكن أي امرأة ستجد نفسها في روايات تكتبها المرأة بإكثار في الوقت الراهن ؟) من منا يبحث في مسألة الأنوثة إلا باعتبارها انعكاساً مقبولاً في النسق القيمي العام المتجذر للمجتمع المتواري وراء مثالية التاريخ والروح الجمعية، ولكنه - في المقابل - يلعب دوراً خفياً في ضمائر أفراده· وجدت عائشة نفسها على مفترق طرق؛ بين طريقين لم تكد تتبينهما، ولم تكن قد اختارت بعد أيهما، ولكنها رضخت طوعيا لشروط الطريق التي سيقت إليها، والتي كان الناس جميعا يتوجهون إليها، في سبيل هناءة شخصية وحياة هادئة· أخذت عائشة تنسج خيوط فلسفتها عن التاريخ والحب والقيم والعالم المفقود، في سبيل بلوغ التصالح مع اللاوعي الجمعي·