أنت هنا

قراءة كتاب سواقي القلوب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سواقي القلوب

سواقي القلوب

في رواية "سواقي القلوب":
بفضل سراب عرفت كيف تغدو الحواس كمنجات وحاذيت السر الذي يحيل ممارسة الحب تمريناً على فعل الخلق.
ومعها بلغت ضفاف بحيرات لم أتيقن يوماً أنها كانت كامنة في خبايا جسدي.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
3
 
ـ ألو؟ مساء الخير·
 
ـ أهلاًً··· من؟
 
جاءني صوت نجوى بعيداً مخرخشاً ذا أصداء، كأنَّـها مذيعة في إذاعة خاضعة للتشويش· ولن أغفر لنفسي أنَّني لم أتعرَّف على صوتها من الهمزة الأولى· كيف يحدث أن يسهوَ المرء عن الموسيقى التي لم يكن يغفو إلا عليها؟ وهل يشفع لي أنَّني ظللت أحلم بهاتف مثل هذا الهاتف، عدَّة سنوات، فلما تأخَّر نداؤها طوَّحت بعيداً بالزهر الذي ذبل على شرفة الروح، والتفتُّ الى ما يجدُّ من أمري؟
 
في اُتون استيهاماتي، كنت أتخيَّل أنَّها ستتصل بي لكي تقول لي إنَّها قد تطلقَّت من زوجها، أو إنَّه مات بتشمُّع الكبد من شرب الويسكي المغشوش، أو إنَّهم أخذوه الى الجبهة وعادوا به شهيداً· بل لم تكن غلوائي لتخلوَ من نزعة تشفٍّ أحياناًََ، فكنت أتمنى لو تتصل بي من بغداد وهي تشهق وتبكي وتقول إنه تزوَّج عليها امرأة أصغر منـها وإنَّها ستترك له البيت وتلحقني الى باريس·
 
عندها، وبشهامة من ينكر شخصه المتواضع ويناضل من أجل غد أفضل لأبناء الشعب، سأنصحها بالتروِّي والتفكير في مصير أطفالها، ثم سأقول لها إنَّني أخشى عليها من أن تتبهذل مع منفيٍّ مثلي، لا يملك من دنياه سوى مشاعره المنقوعة في نهر من النبيذ· وطبعاً، ستنخرط نجوى في نوبة بكاء جديدة وهي تحلف لي بأنَّها لا تريد من دنياها سواي، وانَّها ارتكبت غلطة عمرها عندما رضخت لسطوة أبيها وتخلَّت عني ووافقت على الزواج من ذلك البغل صاحب معامل العلف الحيوانيِّ·
 
هل تتصوَّر، يا صديقي الطيب زمزم، أنَّ طبق القيمر المُسَمَّى نجوى، خرِّيجة قسم الأدب الإسباني، يمكن أن تعيش سعيدة مع برميل من العلف الحيوانيِّ؟
 
غير أنَّها عندما هاتفتني من بغداد، في ذلك المسـاء البارد، وأنا اُنادم كاشانية خاتون التي فتحت لي واحدة من زجاجات البوجوليه التي تحبُّها ، فقد كان السبب بعياً تماماً عن خواطري السابقة··· بعيداً الى الحد الذي طيَّر النبيذ الأحمر من رأسـي ومن رأس نديمتي الأرستقراطية العجوز·
 
لم أسألها من أين جاءت برقمي، فأنت تعرفني أكره الأسئلة المخابراتية· بل أشرتُ الى الخاتون لكي تخفِّفَ من صوت المسجِّل الدائر بأُغنية لزهور حسين، وأصغيـتُ بانتباه الى ما كانت نجـوى تشرحه لـي، وأنا أُحاول أن أستوعب وأحفظ ما تقول·
 
و اليوم، بعد كل ما حصل من عجائب وانكسارات، فإنَّني ما زلت أذكر العبارة الأخيرة التي سمعتـها من نجوى وصوتها يتلاشى وسط خرخشات الخط الهاتفي البعيد :
 
ـ لن أُوصيك به، إنَّه وحيدي بين ثلاث بنيَّات، وأنت لا تحتاج لوصيَّة·
 
أقول لك إنَّ السكرة طارت من رأسي، لتحلَّ محلَّها خيبات عمري الذي ما انفكَّ يمدُّ لي لسانه شامتاً، كلما ظننتُ أنَّ زمن المفاجآت ولَّى وانقضى·

الصفحات